قال علي ـ رضي الله عنه ـ : هي المجرّة وهي شرع السماء ومنها فتحت بماء منهمر. وقيل: هذا على سبيل الاستعارة ؛ فإن الظاهر أن الماء كان من السحاب فهو كقول القائل في المطر الوابل : «جرت ميازيب السّماء».
وفي قوله : «ففتحنا» بيان بأن الله انتصر منهم ، وانتقم بماء لا بجند أنزله ومن العجب أنهم كانوا يطلبون المطر سنين ، فأهلكهم الله بمطلوبهم (١).
قوله : (بِماءٍ مُنْهَمِرٍ) في الباء وجهان :
أظهرهما : أنها للتعدية ، ويكون ذلك على المبالغة في أنه جعل الماء كالآلة المفتتح بها ، كما تقول فتحت بالمفاتيح (٢).
والثاني : أنها للحال أي فتحناها ملتبسة بهذا الماء (٣) والمنهمر : الغزير النازل بقوة. وأنشد امرؤ القيس :
٤٥٩٣ ـ راح تمريه الصّبا ثمّ انتحى |
|
فيه شؤبوب جنوب منهمر (٤) |
واستعير ذلك في قولهم : همر الرّجل في كلامه إذا أكثر الكلام وأسرع ، وفلان يهامر الشيء أي يحرفه ، وهمّر له من ماله أعطاه بكثرة (٥).
والمنهمر الكثير قاله السّدّيّ (رحمة الله عليه) (٦) قال الشاعر :
٤٥٩٤ ـ أعينيّ جودا بالدّموع الهوامر |
|
على خير باد من معدّ وحاضر (٧) |
قال المفسرون : معنى منهمر أي منصب انصبابا شديدا. قال ابن عباس : منهمر من غير سحاب لم ينقطع أربعين يوما. وقيل : ثمان.
قوله : (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ) قرأ عبد الله وأبو حيوة وعاصم ـ في رواية ـ وفجرنا مخففا (٨). والباقون مثقلا.
__________________
(١) الرازي ١٥ / ٣٧ و ٣٨.
(٢) فجعل المقصود وهو الماء مقدما في الوجود على فتح الباب المغلق. وهذا رأي أبي حيان في البحر المحيط ٨ / ١٧٧.
(٣) المرجع السابق.
(٤) من الرمل ونسب لامرىء القيس ولم أجده بديوانه هكذا ، وإنما ما به :
وللسّوط فيها مجال كما |
|
تنزل ذو برد منهمر |
وراح أي عاد في الرّواح كأن المطر كان في أول النهار ثم عاد في آخره. و «تمريه» تستدره وأصله من مري الضّرع وهو مسحه فيدر ، والشّؤبوب الدّفعة من المطر. وانظر القرطبي ١٧ / ١٣٢ ، والبحر ٨ / ١٧٢ ، وفتح القدير ٥ / ١٢٢ ، والطبري ٢٧ / ٥٤ ، والديوان ١٦٦ ، ومجمع البيان ٩ / ٢٨٥.
(٥) وانظر اللسان «همر» ٤٦٩٧.
(٦) زيادة من (أ). وانظر القرطبي ١٧ / ١٣١.
(٧) من الطويل وهو مجهول قائله والهوامر الكثيرة وهو محل الشاهد. وانظر البحر ٨ / ١٧٧ والقرطبي ١٧ / ١٣١ وفتح القدير ٥ / ١٢٣ وروح المعاني ٢٧ / ٨١.
(٨) البحر المحيط ٨ / ١٧٧ وهي شاذة.