يتلقى ويأخذ الملكان الموكلان بالإنسان عمله ومنطقه يحفظانه ويكتبانه.
قوله : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ) أي أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله فالذي عن اليمين يكتب الحسنات ، والذي عن الشمال يكتب السيئات. وقوله : (قَعِيدٌ) أي قاعد ، فيجوز أن يكون مفردا على بابه ، فيكون بمعنى مقاعد كخليط بمعنى مخالط. وفيه لطيفة ، وهي أن الله تعالى قال : ونحن أقرب إليه من حبل الوريد المخالط لأجزائه الداخل في أعضائه والملك متنح عنه فيكون علمنا (١) به أكمل من علم الكاتب ، أو يكون عدل من فاعل إلى فعيل مبالغة كعليم(٢). وجوز الكوفيون أن يكون فعيل واقعا موقع الاثنين أراد قعودا كالرسوب يجعل للاثنين والجمع كما قال تعالى في الاثنين : (فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ١٦]. وقال المبرد: الأصل : عن اليمين قعيد وعن الشمال ، فأخر عن موضعه (٣) ، وهذا لا ينحّي من وقوع المفرد موقع المثنى ، والأجود (٤) أن يدعى حذف إما من الأول أي عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد ، وإما من الثاني فيكون قعيد الملفوظ به للأول. ومثله قوله :
٤٥١١ ـ رماني بأمر كنت منه ووالدي |
|
بريئا ومن أجل الطّويّ رماني (٥) |
قال المفسرون : أراد بالقعيد اللازم الذي لا يبرح لا القائم (٦) الذي هو عند القائم. وقال مجاهد : القعيد : الرصيد.
قوله : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ) أي ما يتكلم من كلام فيلقيه أي يرميه من فيه (إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) حافظ حاضر. وقرأ العامة «يلفظ» بكسر الفاء. ومحمد بن (أبي) (٧) معدان(٨) بفتحها (٩). و (رَقِيبٌ عَتِيدٌ) قيل : هو بمعنى رقيبان عتيدان أينما كان. قال الحسن (رضي الله عنه) (١٠) إن الملائكة يجتنبون الإنسان على حالتين عند غائطه ، وعند جماعه. وقال مجاهد : يكتبان عليه حتى أنينه في مرضه ، وقال عكرمة : لا يكتبان إلا ما يؤجر عليه
__________________
(١) في الرازي : علنا.
(٢) وانظر البحر المحيط ٨ / ١٢٣.
(٣) اتساعا وحذف الثاني لدلالة الأول عليه وانظر القرطبي ١٧ / ١٠.
(٤) وهذا اختيار أبي حيان في البحر المحيط ٨ / ١٢٣.
(٥) البيت من الطويل وهو مختلف فيه في نسبته فقد نسبه صاحب اللسان للأزرق بن طرفة الفراصي. والطّويّ البئر المطوية بالحجارة ورماني قذفني بأمر أكرهه. وقد نسبه سيبويه إلى ابن أحمر والشاهد : حذف خبر والدي أي كنت منه بريئا ووالدي بريء لدلالة الأول عليه وما أكثره ، وانظر الكتاب ١ / ٧٥ ، والهمع ١ / ١١٦ والبحر ٨ / ١٢٢ واللسان «جول».
(٦) في (ب) وهو الأصح القاعد.
(٧) زيادة من (ب).
(٨) ولم أعثر على ترجمة له.
(٩) في مختصر ابن خالويه نلفظ بفتح النون التعظيمية وكسر الفاء ولعله سهو من المحقق للكتاب انظر المختصر ١٤٤.
(١٠) زيادة من (ب).