أي فشكّوا فيما أنذرهم به الرسول ولم يصدقوه ، وهو تفاعلوا من المرية. وهذه الآية تدل على أن المراد بالنذر الإنذارات.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ) المراودة من الرّود ، يقال : راودته على كذا مراودة ، وروادا أي أردته. وراد الكلأ يروده رودا وريادا ، وارتاده أيضا أي طلبه. وفي الحديث : «إذا بال أحدكم فليرتد لبوله» أي يطلب مكانا لينا أو منحدرا (١). قال ابن الخطيب : ومنه الإرادة وهي المطالبة (٢) غير أن المطالبة تستعمل في العين ، يقال : طالب زيد عمرا بالدّراهم ، والمراودة لا تستعمل إلا في العمل ، فيقال : راوده عن المساعدة ، ولهذا تعدى المراودة إلى مفعول ثان (٣) والمطالبة بالباء وذلك لأن الشغل منوط باختيار الفاعل ، والعين قد توجد من غير اختيار منه فلهذا يفترق الحال بين قولك : أخبرني عن أمر زيد وأخبرني بأمر زيد ، وكذا قوله : «أخبرني زيد عن مجيء فلان» وقوله : «أخبرني بمجيئه» ؛ فإن من قال عن مجيئه ربما يكون الإخبار عن كيفية المجيء لا عن نفسه ، وأخبرني بمجيئه ، لا يكون إلا عن نفس المجيء (٤).
والضيف يقع على الواحد والجماعة ، والمعنى أرادوا منه تمكينهم ممن أتاه من الملائكة.
قوله : (فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ) قرأ العامّة فطمسنا مخففا. وابن مقسم مشدّدا على التكثير ، لأجل المتعلق أو لشدة الفعل في نفسه (٥).
والضمير في : «راودوه» عائد على قوم لوط. وأسند إليهم لأن جميعهم راض بذلك ، والمراد الذين دخلوا عليه. روي أن جبريل ـ عليه الصلاة والسلام ـ ضربهم بجناحه فعموا. وقيل : صارت أعينهم كسائر الوجه لا يرى لها شقّ ، كما تطمس الريح الأثر والأعلام بما تسفي عليها من التراب ، وقال الضحاك : بل أعماهم الله تعالى فلم يروا الرسل. وقالوا : لقد رأيناهم حين دخلوا البيت فأين ذهبوا فرجعوا ولم يروهم. وهذا قول ابن عباس (٦).
فإن قيل : قال ههنا : فطمسنا أعينهم ، وقال في يس : (وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ) [يس : ٦٦] فما الفرق؟
فالجواب : هذا يؤيد قول ابن عباس : بأن المراد من الطمس الحجب عن الإدراك ، ولم يجعل على بصرهم شيء. وفي «يس» أراد أنه لو شاء لجعل على بصرهم غشاوة أو ألزق (٧) أحد الجفنين بالآخر فتكون العين جلدة (٨).
__________________
(١) وانظر اللسان رود ١٧٧٢ و ١٧٧١.
(٢) في الرازي : قريبة من المطالبة.
(٣) في الرازي : «بعن».
(٤) وانظر تفسير الرازي ١٥ / ٦١ بالمعنى.
(٥) وانظر البحر ٨ / ١٨٢. وهي قراءة شاذة.
(٦) وانظر القرطبي ١٧ / ١٤٤.
(٧) في الرازي : أي ألزق.
(٨) وفيه : فيكون على العين جلدة.