أحدهما : أنه مشتق من طرّ الشارب والنبات أي ظهر وثبت بمعنى أن كل شيء قلّ أو كثر ظاهر في اللّوح غير خفي ، فوزنه مستفعل كمستخرج.
والثاني : أنه من الاستطار كقراءة العامة ، وإنما شددت الراء من أجل الوقوف كقولهم : هذا جعفرّ ونفعلّ ، ثم أجري الوصل مجرى (١) الوقف فوزنه مفتعل كقراءة الجمهور.
قوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) العامة بالإفراد ، وهو اسم جنس بدليل مقارنته للجمع والهاء مفتوحة كما هو الفصيح.
وسكّنها مجاهد والأعرج وأبو السّمّال «والفيّاض» (٢). وهي لغة تقدم الكلام عليها أول البقرة.
قال ابن جريج : معنى (نهر) أنهار الماء والخمر والعسل. ووحّد ؛ لأنه رأس آية. ثم الواحد قد ينبىء عن الجمع (٣). وقال الضحاك ليس المراد هنا نهر الماء ، وإنما المراد سعة الأرزاق (٤) ؛ لأن المادة تدل على ذلك كقول قيس بن الخطيم :
٤٦١٥ ـ ملكت بها كفّي فأنهرت فتقها |
|
يرى قائم من دونها ما وراءها (٥) |
أي وسعته. ومنه : أنهرت الجرح. ومنه : النّهار ، لضيائه.
وقرأ أبو نهيك وأبو مجلز والأعمش وزهير الفرقبيّ ـ ونقله القرطبي أيضا عن طلحة بن مصرّف والأعرج وقتادة ـ : «ونهر» بضم النون والهاء (٦) وهي تحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون نهر بالتحريك وهو الأولى نحو : أسد في أسد.
__________________
(١) نقل هذين الوجهين صاحب البحر المحيط عن صاحب اللوامح ٨ / ١٨٥ ، وعمران بن حدير : السدوسي البصري ، ثقة ، روى الحروف عن لاحق بن حميد ، وعكرمة روى عنه الحروف عباس بن الفضل. مات في سنة ١٤٩ ه. وانظر الغاية ١ / ٦٠٤.
(٢) هو الفيّاض بن غزوان كما ذكره صاحب البحر. وهذه قراءة شاذة. انظر البحر المحيط ٨ / ١٨٤ وابن خالويه في المختصر ١٤٨. وفياض بن غزوان الضّبي الكوفي مقرىء موثق ، أخذ القراءة عرضا عن طلحة بن مصرف. وسمع من زبيد اليامي ، روى الحروف عنه طلحة بن سليمان ، وانظر الغاية ٢ / ١٣.
(٣) القرطبي ١٧ / ١٤٩.
(٤) نقله صاحب البحر المرجع السابق.
(٥) من الطويل له وهو في الديوان ص ٣ بلفظ : ترى قائما من خلفها. ونسبه صاحب الدر المنثور للبيد.
والشاهد في : انهرت أي وسّعت. ومعنى : ملكت : شددت وقويت. وهو يصف طعنة. وانظر البحر ٨ / ١٨٤. والقرطبي ١٧ / ١٤٩ وروح المعاني ٢٧ / ٩٥ والدر المنثور ٧ / ٦٨٧ ، وتأويل المشكل ١٧٤ واللسان «نهر» ٤٥٥٦.
(٦) الجامع لأحكام القرآن له ١٧ / ١٤٩ و ١٥٠. وهي شاذة وانظر المختصر ١٤٨.