فالجواب : لأن التعليم هو السبب في إيجاده وخلقه.
فإن قيل : كيف صرح بذكر المفعولين في (عَلَّمَهُ الْبَيانَ) ، ولم يصرح بهما في «علّم القرآن»؟.
فالجواب : أن المراد من قوله (عَلَّمَهُ الْبَيانَ) تعديد النّعم على الإنسان ، واستدعاء للشكر منه ، ولم يذكر الملائكة ؛ لأن المقصود ذكر ما يرجع إلى الإنسان.
فإن قيل : بأنه علم الإنسان القرآن.
فيقال : بأن ذكر نعمة التعليم وعظمها على سبيل الإجمال ، ثم بين كيفية تعليمه القرآن ، فقال : (خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ).
واستدلّ بعضهم بهذه الآية على أن الألفاظ توقيفية (١).
قوله : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) فيه ثلاثة أوجه (٢) :
أحدها : أن الشمس مبتدأ ، و «بحسبان» خبره على حذف مضاف ، تقديره : جري الشمس والقمر بحسبان ، أي كائن ، أو مستقر ، أو استقر بحسبان.
الثاني : أن الخبر محذوف يتعلق به هذا الجار ، تقديره : يجريان بحسبان.
وعلى هذين القولين ، فيجوز في الحسبان وجهان :
أحدهما : أنه مصدر مفرد بمعنى «الحسبان» ، فيكون ك «الشّكران» و «الكفران».
والثاني : أنه جمع حساب ، ك «شهاب» و «شهبان».
والثالث : أن «بحسبان» خبره ، و «الباء» ظرفية بمعنى «في» أي : كائنان في حسبان.
وحسبان على هذا اسم مفرد ، اسم للفلك المستدير ، مشبهة بحسبان الرّحى الذي باستدارته تدور الرّحى.
__________________
(١) قال الرازي ٢٩ / ٧٦ ويحتمل أن يتمسك بهذه الآية على أن اللغات توقيفية حصل العلم بها بتعليم الله.
ينظر : البرهان لإمام الحرمين ١ / ١٦٩ ، البحر المحيط للزركشي ٢ / ٥ ، الإحكام في أصول الأحكام للآمدي ١ / ٧٠ ، سلاسل الذهب للزركشي ص ١٦٣ ، التمهيد للإسنوي ص ١٣٥ ، نهاية السول له ٢ / ١١ ، زوائد الأصول له ص ٢١١ ، منهاج العقول للبدخشي ١ / ٢٢٠ ، غاية الوصول للشيخ زكريا الأنصاري ص ٤١ ، التحصيل من المحصول للأرموي ١ / ١٩٣ ، والمحول للغزالي ص ٧٠ ، المستصفى له ١ / ٣١٨ ، حاشية البناني ١ / ٢٦٩ ، الإبهاج لابن السبكي ١ / ١٩٤ ، الآيات البينات لابن قاسم العبادي ٢ / ٦٠ ، حاشية العطار على جمع الجوامع ١ / ٣٥٢ ، الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم ١ / ٤٢ ، التحرير لابن الهمام ص ١٦ ، تيسير التحرير لأمير بادشاه ١ / ٤٩ ، حاشية التفتازاني والشريف على مختصر المنتهى ١ / ١١٥ ، تقريب الوصول لابن جزي ص ٧١ ، نشر البنود للشنقيطي ١ / ١٠٤ ، فواتح الرحموت لابن نظام الدين الأنصاري ١ / ١٧٧ ، شرح الكواكب الصغير للفتوحي ص ٢٨.
(٢) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٣٦ ، البحر المحيط ٨ / ١٨٧.