على أنه معطوف على مفعول «رفعها» أي : «ورفع ووضع الميزان» أي جعل له مكانة ورفعة لأخذ الحقوق به ، وهو من بديع اللفظ حيث يصير التقدير : «ورفع ووضع الميزان».
قال الزمخشري (١) : «فإن قيل : كيف أخلّ بالعاطف في الجمل الأول وجيء به بعده؟.
قلت : بكّت بالجمل : الأول ، وأورده على سنن التعديد للذين أنكروا الرحمن وآلاءه كما تبكت منكر أيادي المنعم من الناس بتعدّدها عليه في المثال الذي قدمته ، ثم رد الكلام إلى منهاجه بعد التّبكيت في وصل ما يجب وصله للتناسب والتقارب بالعاطف.
فإن قلت : أي تناسب بين هاتين الجملتين حتى وسط بينهما العاطف؟.
قلت : إن الشمس والقمر سماويّان ، والنجم والشجر أرضيّان فبينهما تناسب من حيث التقابل ، وإن السماء والأرض لا يزالان يذكران قرينتين ، وإن جري الشمس والقمر بحسبان من جنس الانقياد لأمر الله ، فهو مناسب لسجود النجم والشجر» (٢).
فصل في المراد بوضع الميزان
قال مجاهد وقتادة : وضع الميزان عبارة عن العدل (٣).
قال السدي : (وَوَضَعَ الْمِيزانَ) وضع في الأرض العدل الذي أمر به (٤) ، يقال : وضع الله الشريعة ، ووضع فلان كذا أي ألقاه.
وقيل : على هذا الميزان القرآن ، لأن فيه بيان ما يحتاج إليه.
وهو من قول الحسين بن الفضل.
وقال الحسن وقتادة (٥) ـ أيضا ـ والضحاك : هو الميزان الذي يوزن به لينتصف به الناس بعضهم من بعض (٦) ، وهو خبر بمعنى الأمر بالعدل يدل عليه قوله تعالى : (وَ (٧) أَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) [الرحمن : ٩].
والقسط هو العدل ، وقيل : هو الحكم.
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٤ / ٤٤٣ ، والدر المصون ٦ / ٢٣٦.
(٢) ينظر : الكشاف ٤ / ٤٤٤.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ٥٧٦) عن مجاهد وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٩١) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وينظر تفسير الماوردي (٥ / ٤٢٤.
(٤) ذكره الماوردي في «تفسيره» (٥ / ٤٢٤.
(٥) ينظر : القرطبي ١٧ / ١٠١.
(٦) ينظر المصدر السابق وتفسير البغوي (٤ / ٢٦٧.