وقال القتبي : إن الله ـ تعالى ـ عدد في هذه السورة نعماءه ، وذكر خلقه آلاءه ، ثم أتبع كل خلّة وصفها ونعمة وضعها في هذه الآية ، وجعلها فاصلة بين كل نعمتين ليبينهم على النعم ، ويقررهم بها ، كما يقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره وينكره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك ، أفتنكر هذا؟ ألم تكن خاملا فعززتك ، أفتنكر هذا؟ ألم تكن راجلا فحملتك ، أفتنكر هذا؟ والتكرير حسن في مثل هذا.
قال الشاعر : [مشطور الرجز]
٤٦٣١ ـ كم نعمة كانت لكم كم كم وكم (١)
وقال الشاعر رحمهالله : [البسيط]
٤٦٣٢ ـ لا تقتلي مسلما إن كنت مسلمة |
|
إيّاك من دمه إيّاك إيّاك (٢) |
وقال آخر : [المنسرح]
٤٦٣٣ ـ لا تقطعنّ الصّديق ما طرفت |
|
عيناك من قول كاشح أشر |
ولا تملّنّ من زيارته |
|
زره وزره وزر وزر وزر (٣) |
وقال الحسين بن الفضل : التكرير طرد للغفلة ، وتأكيد للحجّة.
قال شهاب الدين (٤) : والتكرير ـ هاهنا ـ كما تقدم في قوله : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) [القمر : ١٧] ، وكقوله فيما سيأتي : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) [المرسلات : ٤٥].
وذهب جماعة منهم ابن قتيبة : إلى أن التكرير لاختلاف النّعم ، فلذلك كرر للتوقيف مع كل واحدة.
قال ابن الخطيب (٥) : وذكره بلفظ الخطاب على سبيل الالتفات ، والمراد به التقريع والزّجر ، وذكر لفظ الرب ؛ لأنه يشعر بالرحمة.
قال : «وكررت هذه اللفظة في هذه السورة نيفا وثلاثين مرة إما للتأكيد ، ولا يعقل بخصوص العدد معنى.
__________________
(١) ينظر معاني القرآن للفراء ١ / ١٧٧ ، وتأويل مشكل القرآن ص ٢٣٦ ، وأمالي المرتضى ١ / ٨٤ ، والصاحبي لابن فارس ص ٣٤٢ ، والسراج المنير ٤ / ١٦١ ، ومجمع البيان للطبرسي ١٠ / ٨٤ والصناعتين ص ١٩٣ ، وزاد المسير ٨ / ١١١ ، والقرطبي ١٧ / ١٠٥.
(٢) ينظر القرطبي ١٧ / ١٠٥ ، السراج المنير ٤ / ١٦١ ، فتح القدير ٥ / ١٣٣.
(٣) ينظر القرطبي ١٧ / ١٠٥ ، والسراج المنير ٤ / ١٦١.
(٤) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٣٩.
وعبارة السمين هي : «وقوله : «فبأيّ» إلى آخرها توكيد وكّد به كما تقدم ...
(٥) ينظر : تفسير الرازي ٢٩ / ٨٥.