قوله تعالى : (حَمِيمٍ آنٍ) أي : حارّ متناه في الحرارة ، وهو منقوص ك «قاض» يقال : «أتى يأتي فهو آت» ك «قضى يقضي فهو قاض». وقد تقدم في «الأحزاب».
قال قتادة : يطوفون مرة بين الحميم ، ومرة بين الحميم والجحيم (١).
و «الحميم» : الشّراب. وفي قوله تعالى : «آن» ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه الذي انتهى حرّه وحميمه. قاله ابن عبّاس ، وسعيد بن جبير ، والسدي (٢) ، ومنه قول النابغة الذبياني : [الوافر]
٤٦٥٠ ـ وتخضب لحية غدرت وخانت |
|
بأحمر من نجيع الجوف آن (٣) |
وقال قتادة : «آن» طبخ منذ خلق الله السموات والأرض (٤) ، يقول : إذا استغاثوا من النار جعل غياثهم ذلك.
وعن كعب : أنه الحاضر ، وعنه أيضا : «آن» اسم واد من أودية جهنّم.
وقال مجاهد : إنه الذي قد آن شربه ، وبلغ غايته.
ثم قال : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).
فإن قيل : هذه الأمور ليست نعمة ، فكيف قال : بأي آلاء؟.
فالجواب من وجهين (٥) :
أحدهما : أن ما وصف من هول القيامة ، وعقاب المجرمين فيه زجر عن المعاصي ، وترغيب في الطّاعات وهذا من أعظم النعم.
روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم أتى على شاب في الليل يقرأ : (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ) فوقف الشّاب ، وخنقته العبرة ، وجعل يقول : ويحي من يوم تنشقّ فيه السماء ويحي ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ويحك يا فتى ، يأتيني مثلها ، فو الذي نفسي بيده لقد بكت ملائكة السّماء من بكائك» (٦).
الثاني : أن المعنى كذبتم بالنعم المتقدمة ما استحقيتم هذه العقوبات ، وهي دالة على الإيمان بالغيب ، وهو من أعظم النعم.
__________________
(١) تقدم.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ٦٠٠ ـ ٦٠١) عن ابن عباس والضحاك وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٠١) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) ينظر ديوانه ص ١١٣ ، ومجاز القرآن ٢ / ٢٤٥ ، ومعاني القرآن للأخفش ص ٦٥ ، وإعراب القرآن للنحاس ٤ / ٣١٣ ، والمحتسب ١ / ٣٦٧ ، والطبري ٢٧ / ٨٤ ، والقرطبي ١٧ / ١١٤.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ٦٠١) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٠١) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد.
(٥) ينظر : القرطبي ١٧ / ١١٤.
(٦) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٠٠) وعزاه إلى محمد بن نصر في «كتاب الصلاة» عن لقمان بن عامر الحنفي.