قال البغوي (١) : «يدلّ عليه قول الضحاك : الجنّتان الأوليان من ذهب وفضّة ، والأخريان من ياقوت وزمرّد ، وهما أفضل من الأوليين».
وإلى هذا القول ذهب أبو عبد الله الترمذي الحكيم في «نوادر الأصول» ، وقال : «ومعنى (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) أي : دون هذا إلى العرش ، أي : أقرب وأدنى إلى العرش».
وقال مقاتل : الجنّتان الأوليان : جنة عدن وجنة النعيم ، والأخريان : جنة الفردوس ، وجنة المأوى.
قوله تعالى : (مُدْهامَّتانِ) أي : خضراوان. قاله ابن عبّاس وغيره.
وقال مجاهد : مسودتان.
والإدهام في اللغة : السواد وشدة الخضرة ، جعلتا مدهامتان لشدة ريّهما ، وهذا مشاهد بالنظر ، ولذلك قالوا : سواد «العراق» لكثرة شجره وزرعه (٢).
ويقال : فرس أدهم وبعير أدهم ، وناقة دهماء ، أي اشتدت زرقته حتى ذهب البياض الذي فيه ، فإن زاد على ذلك واشتد السواد فهو جون ، وادهمّ الفرس ادهماما أي صار أدهم.
وادهامّ الشيء ادهيماما : أي : اسودادا ، والأرض إذا اخضرت غاية الخضرة تضرب إلى السواد ، ويقال للأرض المعمورة : سواد يقال : سواد البلد.
وقال عليه الصلاة والسلام : «عليكم بالسّواد الأعظم ، ومن كثّر سواد قوم فهو منهم»(٣).
قال ابن الخطيب : والتحقيق فيه أن ابتداء الألوان هو البياض وانتهاؤها هو السّواد ، فإنّ الأبيض يقبل كل لون ، والأسود لا يقبل شيئا من الألوان.
قوله تعالى : (فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ).
قال ابن عباس : فوّارتان بالماء والنّضخ ـ بالخاء المعجمة ـ أكثر من النّضح ـ بالحاء المهملة ـ لأن النّضح بالمهملة : الرّشّ والرشح ، وبالمعجمة : فوران الماء.
وقال ابن عباس والحسن ومجاهد : المعنى نضّاختان بالخير والبركة (٤).
وعن ابن مسعود وابن عباس أيضا وأنس : تنضخ على أولياء الله بالمسك والعنبر والكافور في دور أهل الجنة كما ينضخ رشّ المطر (٥).
__________________
(١) ينظر : معالم التنزيل ٤ / ٢٧٦.
(٢) ينظر : القرطبي ١٧ / ١٢٠.
(٣) لأوله شاهد من حديث ابن عمر بلفظ : عليكم بالسواد الأعظم أخرجه الحاكم (١ / ١١٥ ـ ١١٦) وابن أبي عاصم في «السنة» (١ / ٣٩) ، ولآخره شاهد عن عبد الله بن مسعود عند أبي يعلى كما في المطالب برقم (١٦٠٥).
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ٦١٣).
(٥) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٠٩) عن أنس وعزاه إلى ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم.