المصادر ، قاله الزمخشري (١) ومنعه أبو حيان (٢) ، وقد تقدم في قوله : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ) [الأعراف : ٥٦] ويجوز أن يكون منصوبا على الظرف المكاني ، أي (٣) مكانا غير بعيد ، ويجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف أي إزلافا غير بعيد ، وهو ظاهر عبارة الزمخشري ، فإنه قال : أو شيئا غير بعيد (٤).
فإن قيل : ما وجه التقريب مع أن الجنة مكان ، والأمكنة يقرب منها وهي لا تقرب؟
فالجواب من وجوه :
الأول : أن الجنة لا تزال ولا يؤمر المؤمن في ذلك اليوم بالانتقال إليها مع بعدها لكن الله تعالى يطوي المسافة التي بين المؤمن والجنة فهو التقريب.
فإن قيل : فعلى هذا ليس إزلاف الجنة من المؤمن بأولى من إزلاف المؤمن من الجنة فما فائدة قوله : (أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ)؟
فالجواب : أن ذلك إكرام للمؤمن وبيان لشرفه ، وأنه ممّن يمشى إليه.
الثاني : قربت من الحصول في الدخول لا بمعنى القرب المكاني.
الثالث : أن الله تعالى قادر على نقل الجنة من السماء إلى الأرض فيقربها للمؤمن ويحتمل أنها أزلفت بمعنى جمعت محاسنها ، لأنها مخلوقة ، وإما بمعنى قرب الحصول لها لأنها تنال بكلمة وحسنة وخص المتقين بذلك لأنهم أحقّ بها (٥).
قوله : (هذا ما تُوعَدُونَ) هذه الجملة يجوز فيها وجهان :
أحدهما : أن تكون معترضة بين البدل والمبدل منه ، وذلك أن (لِكُلِّ أَوَّابٍ) بدل من (لِلْمُتَّقِينَ) بإعادة العامل (٦).
والثاني : أن تكون منصوبة بقول مضمر ، ذلك القول منصوب على الحال أي مقولا لهم(٧). وقد تقدم في (سورة) (٨) «ص» أنه قرىء : يوعدون بالياء والتاء (٩).
__________________
(١) الكشاف ٤ / ١٠ قال : والمصادر يستوي فيها الوصف بالمذكّر والمؤنّث.
(٢) أوضح أبو حيان كلامه قائلا : «يعني بعيد ، لأنه على زنة المصدر كالصّليل ، والزّئير ، والمصادر يستوي في الوصف بها المذكر والمؤنث قال : وكونه على وزن المصدر لا يسوغ أن يكون المذكر صفة للمؤنث». أقول : ورد أبي حيان على الزمخشري ضعيف حيث ورد القرآن به في قوله : «إنّ رحمة الله قريب من المحسنين».
(٣) وهو قول الزمخشري ثم أبي حيّان في مرجعيهما السابقين.
(٤) الكشاف المرجع السابق.
(٥) انظر تفسير الإمام ٢٨ / ١٧٤ و ١٧٥.
(٦) وهو قول الزمخشري في الكشاف ٤ / ١٠.
(٧) وهو قول أبي البقاء في التبيان ١١٧٦.
(٨) زيادة لتوضيح السياق.
(٩) العامة على توعدون للخطاب وابن كثير على الياء على الخبر ، لأنه أتى بعد ذكر المتقين وانظر القرطبي ٨ / ١٧ ، ٢٠ والإتحاف ٣٩٨.