ختم له بها ، فهذا من أصحاب اليمين ، ورجل ابتكر عمره بالذنوب ، ثم لم يزل عليها حتى ختم له بها ، فهذا من أصحاب الشمال.
وروي عن كعب قال : هم أهل القرآن المتوجون يوم القيامة (١).
وقيل : هم أول الناس رواحا إلى المسجد ، وأولهم خروجا في سبيل الله (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ).
يجوز أن يكون خبرا ثانيا ، وأن يكون حالا من الضمير في «المقرّبون» ، وأن يكون متعلقا به ، أي : قربوا إلى رحمة الله في جنات النعيم.
ويبعد أن تكون «في» بمعنى «إلى».
وقرأ طلحة (٢) : «في جنّة» بالإفراد.
وإضافة الجنة إلى النعيم من إضافة المكان إلى ما يكون فيه ، كما يقال : «دار الضّيافة ، ودار الدّعوة ، ودار العدل».
وذكر النعيم هنا معرفا ، وفي آخر السورة منكرا ؛ لأن السّابقين معلومون ، فعرفهم باللام المستغرقة لجنسهم ، وأما هنا فإنهم غير معروفين لقوله : (إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) فجعل موضعه غير معروف ، أو يقال : إن المذكور هنا جميع السّابقين ، ومنزلتهم أعلى المنازل ، فهي معروفة ، لأنها لا حدّ فوقها.
وأما باقي المقربين فلكل واحد مرتبة ودرجة ، فمنازلهم متفاوتة ، فهم في جنات متباينة في المنزلة ، لا يجمعها صفة ، فلم يعرفها.
قوله : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ).
«ثلّة» خبر مبتدأ مضمر ، أي «هم».
ويجوز أن يكون مبتدأ خبره مضمر ، أي منهم ثلّة.
أي : من السابقين ، يعني أن التقسيم وقع [بينهم](٣).
وأن يكون مبتدأ خبره «في جنّات النّعيم».
أو قوله : (عَلى سُرُرٍ).
فهذه أربعة أوجه.
و «الثّلة» : الجماعة من الناس ، وقيدها الزمخشري بالكثيرة (٤).
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٢٨٠) عن كعب.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٢٤٠ ، والبحر المحيط ٨ / ٢٠٥ ، والدر المصون ٦ / ٢٥٤.
(٣) في ب : في السابقين.
(٤) ينظر : الكشاف ٤ / ٤٥٨ ، والدر المصون ٦ / ٢٥٥.