قال الزمخشري (١) : «كرم الظل نفع الملهوف ، ودفع أذى الحرّ عنه».
قال ابن الخطيب (٢) : ولو كان كذلك لكان البارد والكريم بمعنى واحد ، والأقوى أن يقال: فائدة الظل أمران :
أحدهما : دفع الحر.
والآخر : كون الإنسان فيه مكرما ؛ لأن الإنسان في البرد يقصد الشمس ليدفأ بحرّها إذا كان قليل الثّياب ، وفي الحرّ يطلب الظّل لبرده ، فإذا كان من المكرمين يكون أبدا في مكان يدفع الحر والبرد عن نفسه ، فيحتمل أن يكون المراد هذا.
ويحتمل أن يقال : الظل يطلب لأمر حسّي ، وهو يرده ، ولأمر عقلي وهو التّكرمة ، وهذا معنى ما نقله الواحدي عن الفرّاء بنفي كل شيء مستحسن ، فيقولون : «الدار لا واسعة ولا كريمة».
قوله : (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ).
أي : إنما استحسنوا هذه العقوبة ؛ لأنهم كانوا في الدنيا متنعّمين بالحرام.
و «المترف» : المنعم (٣).
قاله ابن عباس وغيره.
وقال السّدي : «مترفين» أي : مشركين (٤).
قوله : (وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ).
الحنث في أصل كلامهم : العدل الثقيل ، وسمي به الذنب والإثم لثقلهما ، قاله الخطابي(٥).
وفلان حنث في يمينه ، أي لم يف به ؛ لأنه يأثم غالبا ، ويعبر بالحنث عن البلوغ ، ومنه قوله : «لم يبلغوا الحنث» (٦).
وإنما قيل ذلك ؛ لأن الإنسان عند بلوغه إيّاه يؤاخذ بالحنث ، أي : بالذنب ، وتحنّث فلان ، أي جانب الحنث.
وفي الحديث : «كان يتحنّث بغار حراء» (٧) ، أي : يتعبّد لمجانبته الإثم ، نحو : «تحرّج» فتفعّل في هذه كلّها للسّلب (٨).
__________________
(١) ينظر بتصرف الكشاف ٤ / ٤٦٣.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ١٤٧ ، ١٤٨.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ٦٤٨) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٢٨) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٤) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٧ / ١٣٨) عن السدي.
(٥) ينظر الدر المصون ٦ / ٢٦٠.
(٦) تقدم.
(٧) تقدم.
(٨) ينظر الدر المصون ٦ / ٢٦٠.