إلى كون ذلك في الطّعم مرّا ، وفي اللمس حارّا ، وفي الرائحة منتنا ، وفي المنظر أسود لا يكاد آكله يسيغه.
والتحقيق اللغوي فيه أن الزّقوم لغة عربية ، ودلنا تركيبه على قبحه ؛ لأن «ز ق م» لم يجتمع إلا في مهمل ، أو في مكروه.
يقال منه : مزق يمزق ، ومنه : زمق شعره إذا نتفه ، ومنه «القزم» للدّناءة واللؤم.
وأقوى من هذا أن «القاف» مع كل حرف من الحرفين الباقيين يدل في أكثر الأمر على مكروه ، فالقاف مع «الميم» ك «القمامة والتّقمقم والقمقمة» ، وبالعكس «المقامق» لتغليظ الصوت ، و «المقمقة» هو الشق.
وأما القاف مع الزاي ف «الزق» رمي الطائر بذرقه ، والزّقزقة : للخفة ، وبالعكس ـ القزنوب ـ فينفر الطّبع من تركيب الكلمة من حروف اجتماعها دليل الكراهة والقبح ، ثم قرن بالأكل ، فدلّ على أنه طعام ذو غصّة.
وأما ما يقال : بأن العرب تقول : «زقمتني» بمعنى : أطعمتني الزّبد والعسل واللّبن ، فذلك للمجانة ، كما يقال : ارشقني بثوب حسن ، وارجمني بكيس من ذهب».
وقد تقدم الكلام على الزّقوم في «والصّافات».
وقوله : (فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ).
بيان لزيادة العذاب ، أي : لا يكتفى منكم بنفس الأكل ، كما يكتفى ممن يأكل الشّيء لتحلّة القسم ، بل يلزمون منها بأن يملئوا منها البطون.
وقوله : (الْبُطُونَ) إما مقابلة الجمع بالجمع ، أي : يملأ كل واحد منكم بطنه.
وإما أن يكون لكل واحد بطون ، ويكون المراد منه ما في بطن الإنسان ، وهم سبعة أمعاء فيملئون بطون الأمعاء ، والأول أظهر ، والثاني أدخل في التعذيب (١).
قوله : (فَشارِبُونَ عَلَيْهِ) أي : على الأكل ، أو على الزّقوم لأجل مرارته وحرارته يحتاجون إلى شرب الماء فيشربون من الماء الحار.
قوله : (فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ).
وهذا أيضا بيان لزيادة العذاب ، أي : لا يكون شربكم كمن شرب ماء حارّا منتنا ، فيمسك عنه ، بل يلزمون أن يشربوا منه مثل ما يشرب الأهيم ، وهو الجمل العطشان ، فيشرب ولا يروى (٢).
وقرأ نافع وعاصم وحمزة : بضم الشين من «شرب».
__________________
(١) ينظر السابق.
(٢) ينظر : التفسير الكبير ٢٩ / ١٥٢.