قال : [الطويل]
٤٧٠٠ ـ ألم تر أنّ الله أنزل مزنة |
|
وعفر الظّباء في الكناس تقمّع (١) |
وقوله : (أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ).
أي : إذا عرفتم بأني أنزلته فلم لا تشكروني بإخلاص العبادة لي ، ولم تنكروا قدرتي على الإعادة (٢)؟.
وقوله : (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً).
وقد تقدم عدم دخول «اللام» في جواب «لو» هذه.
وقال الزمخشري (٣) : «فإن قلت : لم دخلت «اللام» في جواب «لو» في قوله : (لَجَعَلْناهُ حُطاماً) ، ونزعت منه ها هنا؟.
قلت : إن «لو» لما كانت داخلة على جملتين معلقة ثانيتهما بالأولى تعلق الجزاء بالشّرط ، ولم تكن مخلصة للشرط ك «إن» و «لا» عاملة مثلها ، وإنما سرى فيها معنى الشرط اتفاقا من حيث إفادتها في مضمون جملتين أن الثّاني امتنع لامتناع الأول افتقرت في جوابها إلى ما ينصب علما على هذا التعلق فزيدت هذه «اللام» لتكون علما على ذلك ، فإذا حذفت بعد ما صارت علما مشهورا مكانه ، فلأن الشيء إذا علم وشهر موقعه ، وصار مألوفا ومأنوسا به لم يبال بإسقاطه عن اللفظ استغناء بمعرفة السّامع.
ألا ترى ما يحكى عن رؤبة ، أنّه كان يقول : خير ، لمن قال له : كيف أصبحت؟
فحذف الجار لعلم كل أحد بمكانه ، وتساوي حال إثباته وحذفه لشهرة أمره ، وناهيك بقول أوس : [السريع]
٤٧٠١ ـ حتّى إذا الكلّاب قال لها |
|
كاليوم مطلوبا ولا طلبا (٤) |
وحذفه : «لم أر» فإذا حذفها اختصار لفظي ، وهي ثابتة في المعنى ، فاستوى الموضعان بلا فرق بينهما ، على أن تقدم ذكرها والمسافة قصيرة ، مغن عن ذكرها ثانيا ، ويجوز أن يقال : إن هذه «اللام» مفيدة معنى التّوكيد لا محالة ، فأدخلت في آية المطعوم دون آية المشروب للدلالة على أنّ أمر المطعوم مقدم على أمر المشروب ، وأنّ الوعيد بفقده أشد وأصعب من قبل أن المشروب إنما يحتاج إليه تبعا للمطعوم.
__________________
(١) البيت «لأوس بن حجر».
ينظر ديوانه ص (٥٧) ، وإصلاح المنطق ص ٤٩ ، واللسان (مزن) والقرطبي ١٧ / ١٤٣.
(٢) ينظر : القرطبي ١٧ / ١٤٣.
(٣) الكشاف ٤ / ٤٦٦ ، والبحر المحيط ٨ / ٢١١ ، والدر المصون ٦ / ٢٦٤.
(٤) تقدم.