أي : لا يطلع عليه ، أو لا يمسّ لوحه ، لا بد من هذين التجوزين ؛ لأن نسبة المسّ إلى المعاني حقيقة متعذّر.
ويؤيد كون هذه نفيا (١) قراءة عبد الله : «ما يمسّه» ب «ما» النافية.
الوجه الثاني : أنها ناهية ، والفعل بعدها مجزوم ؛ لأنه لو فكّ عن الإدغام لظهر ذلك فيه ، كقوله تعالى : (لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) [آل عمران : ١٧٤] ولكنه أدغم ، ولما أدغم حرك آخره بالضم لأجل هاء ضمير المذكر الغائب.
ولم يحفظ سيبويه في نحو هذا إلا الضم (٢).
وفي الحديث : «إنّا لم نردّه عليك إلّا أنّنا حرم» (٣).
وإن كان القياس يقتضي جواز فتحه تخفيفا ، وبهذا يظهر فساد من ردّ بأن هذا لو كان نهيا لكان يقال : «لا يمسّه» بالفتح ؛ لأنه خفي عليه جواز ضم ما قبل «الهاء» في هذا النحو ، لا سيما على رأي سيبويه ، فإنه لا يجيز غيره.
وقد ضعف ابن عطيّة (٤) كونها نهيا بأنه إذا كان خبرا فهو في موضع الصفة ، وقوله بعد ذلك : «تنزيل» صفة ، فإذا جعلناه نهيا كان أجنبيّا معترضا بين الصّفات ، وذلك لا يحسن في وصف الكلام فتدبره ، وفي حرف ابن مسعود : «ما يمسه». انتهى.
وليس فيما ذكره ما يقتضي تضعيف هذا القول ؛ لأنا لا نسلّم أن «تنزيل» صفة ، بل هو خبر مبتدأ محذوف ، أي : «هو تنزيل» فلا يلزم ما ذكره من الاعتراض.
ولئن سلّمنا أنه صفة ف «لا يمسّه» صفة أيضا ، فإن اعترض علينا بأنه طلب فيجاب بأنه على إضمار القول ، أي : نقول فيه : «لا يمسّه» كما قالوا ذلك في قوله : (فِتْنَةً لا تُصِيبَنَ) [الأنفال : ٢٥] على أن «لا تصيبن» نهي.
وهو كقوله (٥) : [مشطور الرجز]
٤٧١١ ـ جاءوا بمذق هل رأيت الذّئب قط (٦)؟
وقد تقدم تحقيقه في «الأنفال».
وهذه الآية يتعلق بها خلاف العلماء في مس المحدث المصحف ، وهو مبني على هذا.
وقرأ العامة : «المطهّرون» بتخفيف الطّاء ، وتشديد الهاء مفتوحة اسم مفعول.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٢٥٢ ، والبحر المحيط ٨ / ٢١٣ ، والدر المصون ٦ / ٢٦٧.
(٢) ينظر : الكتاب ٢ / ١٥٩.
(٣) تقدم.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٢٥٢.
(٥) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٦٨.
(٦) تقدم.