و «الشهداء» هم الذين يلون الصديقين و «الصالحون» يلون الشهداء ، فيجوز أن تكون هذه الآية في جملة من صدق بالرسل.
والمعنى : والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء ، ويكون المعني بالشهداء من شهد لله بالوحدانية ، أنهم شهداء عند ربهم على العباد في أعمالهم ، والمراد أنهم عدول في الآخرة الذين تقبل شهاداتهم.
وقال الحسن : كل مؤمن فإنه شهيد كرامة (١).
وقال الفراء والزجاج (٢) : هم الأنبياء ؛ لقوله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) [النساء : ٤١].
وقال ابن جرير : «الشهداء» هم الذين استشهدوا في سبيل الله (٣).
وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ما تعدّون الشّهداء فيكم»؟ قالوا : المقتول ، فقال : «إنّ شهداء أمّتي إذا لقليل» (٤).
وعلى هذا يكون منقطعا عما قبله ، وتكون «الواو» في «والشهداء» واو الاستئناف ، وهذا مروي عن ابن عباس ومسروق.
وقوله : (لَهُمْ أَجْرُهُمْ) مما عملوا من العمل الصالح. و «نورهم» على الصراط.
ثم لما ذكر حال المؤمنين أتبعه بذكر حال الكافرين (٥) ، فقال : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا ، أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ). ولما ذكر أحوال المؤمنين والكافرين ذكر بعده ما يدلّ على حقارة الدنيا ، وكمال حال الآخرة ، فقال :
(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ).
«ما» صلة ، أي : حياة هذه الدار لعب باطل لا حاصل له ، وهو فرح ثم ينقضي ، وزينة ومنظر تتزيّنون به.
قوله : (وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ).
العامة على تنوين «تفاخر» موصوف بالظرف ، أو عامل فيه.
والسلمي (٦) أضافه إليه ، أي : يفخر به بعضكم على بعض.
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٢٩٨).
(٢) ينظر : معاني القرآن له ٥ / ١٢٦.
(٣) ينظر : جامع البيان ١١ / ٦٨٤.
(٤) أخرجه مسلم (٣ / ١٥٢١) كتاب الإمارة ، باب : بيان الشهداء حديث (٦٥ / ١٩١٥) من حديث أبي هريرة.
(٥) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ٢٠٢.
(٦) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٢٢٣ ، والدر المصون ٦ / ٢٧٩.