وهذه الآية تدلّ على أن الأمور كلها من الله تعالى ؛ لأن الآية دلّت على أن وقوع ذلك بالرّعب صار سببا في إقدامهم على بعض الأفعال ، وبالجملة فالفعل لا يحصل إلا عند حصول داعية متأكدة في القلب ، وحصول تلك الداعية لا يكون إلا من الله تعالى ، فكانت الأفعال بأسرها مستندة إلى الله ـ تعالى ـ بهذا الطريق (١).
قوله : (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ) يجوز أن يكون مستأنفا للإخبار به ، وأن يكون حالا من ضمير «قلوبهم» ، وليس بذاك (٢).
وقرأ أبو عمرو : «يخرّبون» (٣) بالتشديد ، وباقيهم : بالتّخفيف.
وهما بمعنى ؛ لأن «خرّب» عدّاه أبو عمرو بالتضعيف ، وهم بالهمزة.
وعن أبي عمرو : أنه فرق بمعنى آخر ، فقال : «خرّب» ـ بالتشديد ـ هدم وأفسد ، و «أخرب» ـ بالهمزة ـ ترك الموضع خرابا ، وذهب عنه ، وهو قول الفرّاء.
قال المبرد : ولا أعلم لهذا وجها.
و «يخربون» من خرب المنزل وأخربه صاحبه ، كقوله : «علم وأعلم ، وقام وأقام».
وإذا قلت : «يخربون بيوتهم» من التخريب فإنما هو تكثير ؛ لأن ذكر «بيوتا» تصلح للتقليل والتكثير (٤).
وزعم سيبويه أنهما يتعاقبان في بعض الكلام ، فيجري كل واحد مجرى الآخر ، نحو : «فرحته وأفرحته».
قال الأعشى : [المتقارب]
٤٧٣٦ ـ .......... |
|
وأخربت من أرض قوم ديارا (٥) |
واختار الهذلي قراءة أبي عمرو لأجل التّكثير (٦).
ويجوز أن يكون «يخربون» تفسيرا للرّعب فلا محلّ له أيضا.
قال أبو عمرو : وإنما اخترت التشديد ؛ لأن الإخراب ترك الشيء خرابا بغير ساكن ،
__________________
(١) ينظر السابق ٢٩ / ٢٤٤.
(٢) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٩٣.
(٣) ينظر : السبعة ٦٣٢ ، والحجة ٦ / ٢٨٣ ، وإعراب القراءات ٢ / ٣٥٧ ، وحجة القراءات ٧٠٥ ، والعنوان ١٨٨ ، وشرح الطيبة ٦ / ٤٧ ، وشرح شعلة ٦٠٠ ، وإتحاف ٢ / ٥٢٩.
(٤) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ٢٤٤.
(٥) عجز بيت وصدره :
فأقللت قوما وأعمرتهم
ينظر ديوانه ص ٨٢ ، والتفسير الكبير ٢٩ / ٢٨١.
(٦) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٩٣.