الثاني : أن تكون «مانعتهم» خبر «أنهم» و «حصونهم» فاعل به ، نحو : إن زيدا قائم أبوه ، وإن عمرا قائمة جاريته. وجعله أبو حيان (١) أولى ؛ لأن في نحو : «قائم زيد» على أن يكون خبرا مقدما ومبتدأ مؤخرا ، خلافا ، الكوفيون يمنعونه ، فمحل الوفاق أولى.
قال الزمخشري (٢) : «فإن قلت : فأي فرق بين قولك : وظنوا أن حصونهم تمنعهم ، أو «مانعتهم» ، وبين النظم الذي جاء عليه؟.
قلت : بتقديم الخبر على المبتدأ دليل على فرط وثوقهم ، ومنعها إياهم ، وفي تغيير ضميرهم اسما ل «أن» ، وإسناد الجملة إليه دليل على اعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة لا يبالى معها بأحد يتعرض إليهم ، وليس ذلك في قولك : حصونهم تمنعهم» انتهى.
وهذا الذي ذكره إنّما يتأتى على الإعراب الأول ، وقد تقدم أنه مرجوح.
وتسلط الظن هنا على «أن» المشددة ، والقاعدة أنه لا يعمل فيها ولا في المخففة منها إلا فعل «علم» وتعين إجراؤه مجرى اليقين لشدته وقوته ، وأنه بمنزلة العلم.
وقوله : (مِنَ اللهِ) أي : من أمره.
قوله تعالى : (فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا).
قال الزمخشري (٣) : قرىء «فأتاهم الهلاك» أي : أتاهم أمره وعذابه (مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) ، أي : لم يظنوا ، وقيل : من حيث لم يعلموا (٤).
وقال ابن جريج والسدي وأبو صالح : (مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) : بقتل كعب بن الأشرف ، وكانوا أهل خلعة وسلاح وقصور منيعة فلم يمنعهم شيء منها». (٥)
وقيل : الضمير في (فَأَتاهُمُ اللهُ) يعود إلى المؤمنين ، أي : فأتاهم نصر الله وتقويته [لا] يمنعهم شيء منها (٦).
قوله : (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) بقتل سيدهم كعب بن الأشرف ، وكان الذي قتله محمد بن مسلمة ، وأبو نائلة سلكان بن سلامة بن وقش ـ وكان أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة ـ وخبره مشهور في السيرة.
قال أهل اللغة : «الرّعب» : الخوف الذي يرعب الصّدور ، أي : يملؤه ، وقذفه : إثباته فيه ، ومنه قالوا في صفة الأسد : مقذف ، كأنه قذف اللحم قذفا لاكتنازه وتداخل أجزائه.
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٢٤٢.
(٢) ينظر : الكشاف ٤ / ٤٩٩.
(٣) السابق.
(٤) ينظر : القرطبي ١٨ / ٤.
(٥) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٨ / ٤) ، عن ابن جريج والسدي وأبي صالح.
(٦) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ٢٤٣.