ولهذا قال المفسرون : الاعتبار هو النظر في حقائق الأشياء وجهات دلالتها ليعرف بالنظر فيها شيء آخر من جنسها (١).
وقوله عزوجل : (يا أُولِي الْأَبْصارِ).
قال ابن عباس رضي الله عنهما يريد أهل اللّب والعقل والبصائر (٢).
قال الفراء : أي من عاين تلك الوقائع والأبصار جمع البصر.
ومن جملة الاعتبار هنا أنهم اعتصموا بالحصون من الله ، فأنزلهم الله ـ تعالى ـ منها ، وسلط عليهم من كان ينصرهم ، وأنهم هدموا أموالهم بأيديهم ، ومن لم يعتبر بغيره اعتبر في نفسه(٣).
واستدل الأصوليون بهذه الآية على وجوب العمل بالقياس.
وقوله تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ).
العامة : على مده وهو الإخراج.
يقال : أجليت القوم ، وجلا هو جلاء.
وقال الماوردي (٤) : الجلاء أخصّ من الخروج ؛ لأنه لا يقال إلا لجماعة ، والإخراج يكون للجماعة والواحد.
وقال غيره : الفرق بينهما أن الجلاء كان مع الأهل والولد ، بخلاف الإخراج فإنه لا يستلزم ذلك.
وقرأ الحسن (٥) وعلي ابنا صالح : «الجلا» بألف فقط.
وطلحة (٦) : مهموزا من غير ألف ك «النبأ».
والمعنى (٧) : أنه لو لا أنه قضى أنه سيجليهم عن ديارهم ، وأنه يبقون مدة ، فيؤمن بعضهم ويولد لهم من يؤمن (لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا) أي : بالقتل كما فعل بإخوانهم «بني قريظة» ، والجلاء مفارقة الوطن يقال : جلا بنفسه جلاء ، وأجلاه غيره إجلاء.
وأما قوله : (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ) ، فهو كلام مبتدأ غير معطوف على ما قبله، إذ لو كان معطوفا على ما قبله لزم ألا يوجد ؛ لأن «لو لا» تقتضي انتفاء الجزاء لحصول الشرط (٨).
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ٢٤٥.
(٢) ذكره الرازي في تفسيره (٢٩ / ٢٤٥) ، عن ابن عباس.
(٣) ينظر : القرطبي ١٨ / ٥.
(٤) ينظر : النكت والعيون ٥ / ٥٠١ ، والبحر المحيط ٨ / ٢٤٣.
(٥) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٢٤٣ ، والدر المصون ٦ / ٢٩٣.
(٦) السابق.
(٧) ينظر : القرطبي ١٨ / ٦.
(٨) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ٢٤٦.