الله ـ تعالى ـ يقول : (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ) ـ إلى قوله ـ (الْفاسِقِينَ) فأخبر عن بني النضير وبني قينقاع ، ثم قال تعالى : (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) فأخبر أن ذلك للرسول صلىاللهعليهوسلم لأنه لم يوجف عليه حين خلّوه ، وما تقدم فيهم من القتال ، وقطع شجرهم فقد كانوا رجعوا عنه وانقطع ذلك الأمر ، ثم قال تعالى : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) ، وهذا كلام غير معطوف على الأول ، وكذا (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) ابتداء كلام في مدح الأنصار والثناء عليهم ، فإنهم سلموا ذلك الفيء للمهاجرين ، وكأنه قال : الفيء للفقراء المهاجرين ، والأنصار يحبون لهم لم يحسدوهم على ما صفا لهم من الفيء ، وكذا (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) ابتداء كلام ، والخبر (يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا).
وقال إسماعيل بن إسحاق : إن قوله تعالى : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ ، وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) معطوف على ما قبله ، وأنهم شركاء في هذا الفيء ، أي : هذا المال للمهاجرين ، والذين تبوّءوا الدار والإيمان.
وقال مالك بن أوس : قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) [التوبة : ٦٠].
ثم قال : هذه لهؤلاء ، ثم قرأ : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) [الأنفال: ٤١] ، فقال : هذه لهؤلاء ، ثم قرأ : (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) حتى بلغ (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ ، وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ ، وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) ثم قال : لئن عشت ليأتين الراعي ب «سرو حمير» نصيبه منها لم يعرق جبينه.
وقيل : إنه دعا للمهاجرين والأنصار واستبشارهم بما فتح الله عليه من ذلك ، وقال لهم : تبينوا الأمر وتدبروه ثم اغدوا عليّ ففكر في ليلته ، فتبين له أن هذه الآيات في ذلك أنزلت فلما غدوا عليه ، قال : قد مررت البارحة بالآيات التي في سورة «الحشر» وتلا : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) إلى قوله تعالى : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ) فلما بلغ قوله : (أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) قال : ما هي لهؤلاء فقط ، وتلا قوله : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) إلى قوله (رَؤُفٌ رَحِيمٌ) ثم قال : ما بقي أحد من أهل الإسلام إلا وقد دخل في ذلك.
فصل
روى مالك بن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : لولا من يأتي من آخر النّاس ما فتحت قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله صلىاللهعليهوسلم خيبر (١).
__________________
(١) أخرجه البخاري ٧ / ٥٦٠ في المغازي ، باب غزوة خيبر (٤٢٣٦).