وكذلك مكث ، وسكن (وألمّ) (١) ، وكذلك كل اسمين أو كل فعلين يوجد كان (٢) بينهما تقارب وتباعد ، لأن الباء للإلصاق ، واللام للاختصاص ، و «في» للظرف ، والظرف مع المظروف ملتصق ومختص به. إذا عرف هذا فنقول : بين «الباء» و «اللام» و «في» مشاركة ، أما الباء فلأنها للإلصاق ، والمتمكن في مكان ملتصق به متصل ، وكذلك الفعل بالنسبة إلى الزمان فإذا قال : سار بالنّهار معناه ذهب ذهابا متّصلا بالنهار.
فقوله : (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) أي متصلا بالأسحار ، أخبر عن الاقتراب ، وذلك أدل على وجود الفعل مع أول جزء من أجزاء الوقت من قوله : «في (اللَّيْلِ) ؛ لأنه يستدعي احتواء الزمان بالفعل وكذلك قول القائل : أقمت ببلدة كذا ، لا يفيد أنه كان مخالطا بالبلد. وقوله : أقمت فيها يدل على إحاطتها به ، فإذن قول القائل : أقمت بالبلد ، ودعوت بالأسحار أعمّ من قوله : أقمت فيه ؛ لأن القائم فيه قائم به والقائم به ليس قائما فيه (٣).
وإذا علم هذا فقوله : (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) إشارة إلى أنهم لا يخلون وقتا عن العبادة وأنهم بالليل لا يهجعون ، ومع أول جزء من السحر يستغفرون فيكون فيه بيان كونهم مستغفرين من غير أن يسبق منهم ذنب ، لأنهم وقت الانتباه لم يخلوا الوقت للذنب. ولا يطرد استعمال الباء بمعنى «في» ، فلا تقول : خرجت بيوم الجمعة لأن يوم الجمعة مع أنه زمان فيه خصوصيّات وتقييدات زائدة على الزمان ، لأنك إذا قلت : خرجت بنهارنا وبليلة الجمعة ، لم يحسن. ولو قلت : خرجت بيوم سعد وخرج (بيوم) (٤) نحس حسن فالنهار والليل لمّا لم يكن فيهما خصوص وتقييد جاز استعمال الباء فيهما ، فإذا قيدتهما وخصصتهما زال الجواز ، و «يوم الجمعة» لمّا كان فيه خصوص لم يجز استعمال الباء فيه ، والفعل حدث مقترن بزمان لا ناشئا عن الزمان فإذا زال الخصوص وقلت : خرجت بيوم سعد جاز. وأما «في» فيصح مطلقا ؛ لأن ما حصل في العام حصل في الخاص ، لأن العام جزء داخل في الخاص ، فتقول : في يوم الجمعة وفي هذه السّاعة (٥). وأما اللام فتقدم الكلام عليها عند قوله : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) [يس : ٣٨].
__________________
(١) كذا في أفقط. ولم أجدها في الرازي ولا في ب.
(٢) تلك الكلمتان في ب مضطربتان ونطقا : يحذفان وفي الرازي : ولا كذلك كل اسمين يفرض أو كل فعلين يوجد.
(٣) في الرازي : ليس قائما ما فيه من كل بدّ. وانظر : تفسير الرازي ٢٨ / ٢٠٤ و ٢٠٣.
(٤) كلمة يوم سقط من أالأصل.
(٥) وانظر هذا كله في تفسير الرازي السابق.