الرابع : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى)(١).
الخامس : (بَلْ عَجِبُوا). وهو قول كوفي ، قالوا : لأنه بمعنى قد عجبوا (٢).
السادس : أنه محذوف ، فقدره الزجاج (٣) والأخفش (٤) والمبرد : لتبعثن ، وغيرهم : لقد جئتهم منذرا.
واعلم أن جوابات القسم سبعة ، إن المشددة كقوله : (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) [العصر : ١ و ٢] ، و «ما» النافية كقوله : (وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) [الضحى : ١ ـ ٣] واللام المفتوحة كقوله : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ) [الحجر : ٩٢] وإن الخفيفة كقوله : (تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الشعراء : ٩٧] ولا النافية كقوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) [النحل : ٣٨] ، و «قد» كقوله : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها وَالسَّماءِ وَما بَناها وَالْأَرْضِ وَما طَحاها وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) [الشمس : ١ ـ ٩] ، وبل كقوله : (وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا)(٥). والمجيد : العظيم. وقيل : المجيد : الكثير الكرم.
فإن قلنا : المجيد العظيم ، فلأن القرآن عظيم الفائدة ولأنه ذكر الله العظيم ، وذكر العظيم عظيم ولأنه لم يقدر عليه أحد من الخلق ، وقال تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) [الحجر : ٨٧]. ولا يبدل ولا يغير ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وإن قلنا : المجيد هو الكثير الكرم فالقرآن كريم كل من طلب منه مقصودا وجده ، ويغني كل من لا ذ به وإغناء المحتاج غاية الكرم.
فإن قيل : القرآن مقسم به فما المقسم عليه؟.
فالجواب : أن المقسم عليه إما أن يفهم بقرينة حالية أو قرينة مقالية ، والمقالية إما أن تكون متقدمة على المقسم به أو متأخرة ، فإن فهم من قرينة مقالية متقدمة ، فلا يتقدم هنا لفظا إلا «ق» فيكون التقدير : هذا ق والقرآن ، أو ق أنزلها الله تعالى والقرآن ، كقولك : هذا حاتم والله ؛ أي هو المشهور بالسخاء ، وتقول : الهلال والله أي رأيته والله. وإن فهم من قرينة مقالية متأخرة فذلك أمران :
أحدهما : أن التقدير : والقرآن المجيد إنك المنذر ، أو والقرآن المجيد إن الرجع لكائن ، لأن كلام الأمرين ورد طاهرا ، أما الأول فقوله تعالى : (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) إلى أن قال : (لِتُنْذِرَ قَوْماً) [يس : ١ ـ ٦].
__________________
(١) نقله أيضا عن محمد بن علي الترمذي.
(٢) نقله في البحر المرجع السابق.
(٣) قال في معاني القرآن : «إنكم لمبعوثون». معاني القرآن وإعرابه ٥ / ٤١.
(٤) لم أجده في معاني القرآن له.
(٥) وانظر تفسير العلامة البغوي ٦ / ٢٣٣.