قوله تعالى : (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ) قيل : (١) لم يكن ذلك إقبالا من مكان إلى مكان ، وإنما هو كقول القائل : أقبل يشتمني بمعنى أخذ في شتمي ، أي أخذت تولول ، لقوله : (قالَتْ يا وَيْلَتى) [هود : ٧٢] ، وذلك أنها كانت مع زوجها في خدمتهم ، فلما تكلموا مع زوجها بولادتها استحت وأعرضت عنهم ، فذكر الله تعالى ذلك بلفظ الإقبال على الأهل ، ولم يقل بلفظ الإدبار عن الملائكة (٢).
قوله : (فِي صَرَّةٍ) يجوز أن يكون حالا من الفاعل أي كائنة في صرّة (٣). والصّرة قيل : الصيحة ، قال امرؤ القيس :
٤٥٢٧ ـ فألحقنا بالهاديات ودونه |
|
جواحرها في صرّة لم تزيّل (٤) |
قال الزمخشري : من صرّ الجندب والباب والقلم (٥) ، أي فصاحت كما جرت عادة النساء إذا سمعن شيئا من أحوالهن يصحن صيحة معتادة لهن عند الاستحياء أو التعجب.
ويحتمل أن يقال : تلك الصيحة كانت بقولها : يا ويلتا ، ومحلّها النصب على الحال أي فجاءت صارة.
ويجوز أن يتعلق ب (فَأَقْبَلَتِ) أي أقبلت في جماعة نسوة (٦) كنّ معها ، والصّرة الجماعة من النساء.
قوله : (فَصَكَّتْ وَجْهَها) قال ابن عباس ـ (رضي (٧) الله عنهما) ـ : فلطمت (٨) وجهها. واختلف في صفته فقيل : هو الضرب باليد مبسوطة. وقيل : بل ضرب الوجه بأطراف الأصابع فعل المتعجّب ، وهو عادة النساء إذا أنكرن شيئا. وأصل الصكّ ضرب الشيء بالشيء العريض (٩).
قوله : (عَجُوزٌ) خبر مبتدأ مضمر أي أنا عجوز عقيم فكيف ألد؟ وتفسرها الآية الأخرى ، فاستبعدت ذلك ظنّا منها أن ذلك منهم على سبيل الدعاء ، فكأنها قالت : يا ليتكم دعوتم دعاء قريبا من الإجابة ، فأجابوها بأن ذلك من الله تعالى ، وأن هذا ليس
__________________
(١) ذكره البغوي دون ما تحديد لواحد معين. انظر : البغوي ٦ / ٢٤٥.
(٢) نقل تلك العلة الإمام الفخر الرازي في تفسيره ٢٨ / ٢١٤.
(٣) وهو قول أبي البقاء في التبيان ١١٨١.
(٤) من الطويل له وروي في القرطبي فألحقه. والهاديات : أوائل بقر الوحش ، وجوارحها : متخلفاتها ، ولم تزيّل : لم تتفرق. والمعنى لما لحق هذا الفرس أوائل بقر الوحش بقيت أواخرها لم تتفرق.
والشاهد : صرّة ومعناها صيحة وجماعة. والبيت في معلقته ، وقد تقدم.
(٥) يصرّ صريرا إذا امتد وكل صوت شبه ذلك. انظر : اللسان السابق وانظر الكشاف ٤ / ١٨.
(٦) قال بالوجه السابق الكشاف السابق.
(٧) زيادة من أ.
(٨) قاله ابن قتيبة في الغريب ٤٢١.
(٩) اللسان : «صكك» ٢٤٧٤.