بدعاء ، وإنما هو قول الله (كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ) ثم دفعوا استبعادها بقولهم : (إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ).
قوله : (كَذلِكَ) منصوب على المصدر ب (قالَ)(١) الثانية أي مثل ذلك القول الذي أخبرناك (٢) به قال ربّك ، أي إنه من جهة الله فلا تعجبي منه.
قال ابن الخطيب : وقال ههنا : الحكيم العليم وفي سورة (هود) (٣) : إنّه حميد مجيد ؛ لأن الحكاية في هود أبسط فذكروا ما يدفع استبعادها (٤) بقولهم : (أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) ، ثم أرشدوها إلى القيام بشكر نعم الله بقولهم : (حَمِيدٌ) فإن الحميد هو الذي يفعل الأفعال الحسنة ، والمجيد إشارة إلى أنه لا يحمد لفعله وإنما يحمد لذاته.
وههنا لما لم يقولوا : أتعجبين من أمر الله أشاروا إلى ما يدفع تعجبها بقولهم : «حكيم عليم». فالحميد يتعلق بالفعل ، والمجيد يتعلق بالذات ، وكذلك الحكيم هو الذي فعله قاصدا إليه ، فإن من يتقلب في النوم (٥) على حية فماتت لا يعد حكيما ، وأما إذا قصد قتلها بحيث يسلم من نهشها ، يقال : إنه حكيم والعليم صفة راجعة إلى الذات ، فقدم وصف الفعل وارتقى درجة إلى وصف الذات إشارة إلى أنه يستحق الحمد وإن لم يفعل فعلا (٦).
قوله تعالى : (قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) هذا أيضا من آداب المضيف ، إذا بادر الضيف إلى الخروج قال له : ما هذه العجلة؟ وما شأنك؟ لأن في سكوته ما يوهم باستثقالهم (٧) ثم إنّهم (٨) أتوا بما هو من أدب الصديق الذي لا يسر عن الصديق شيئا ، وكان ذلك بإذن الله لهم في إطلاع إبراهيم على إهلاكهم وجبر قلبه بتقديم البشارة بأبي الأنبياء إسحاق ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
فإن قيل : فما الذي اقتضى ذكره بالفاء ولم لا قال : ما هذا (٩) الاستعجال؟ وما خطبكم المعجل لكم؟
فالجواب : أنه لما أوجس منهم خيفة أو خرجوا من غير بشارة وإيناس ما كان يقول شيئا فلما أنسوه قال : ما خطبكم أي بعد هذا الأنس العظيم ما هذا الإيحاش الأليم (١٠)!
__________________
(١) قاله صاحب التبيان ١١٨١.
(٢) الكشاف ٤ / ١٨.
(٣) لفظ هود ساقط من أالأصل.
(٤) في ب استبعاده وفي الرازي الاستبعاد.
(٥) في ب نومه وفي الرازي : جنبه.
(٦) وانظر تفسير العلامة الرازي ٢٨ / ١٥ بالمعنى قليلا.
(٧) في ب باشتغالهم والتصحيح من أ.
(٨) في ب وإنهم.
(٩) كذا ذلك الأسلوب في النسختين وفي الرازي : ولو كان كما ذكرتم لقال : ما هذا الاستعجال .. الخ.
(١٠) الرازي ٢٨ / ٢١٥ و ٢١٦.