قوله : (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) الجار والمجرور حال من فاعل «تولّى» (١) ومعنى «تولّى» أدبر عن الإيمان (٢). والباء للمصاحبة. والمراد بالركن أي بجمعه وجنوده الذين كان يتقوّى بهم كالرّكن الذي يتقوّى به البنيان ، كقوله تعالى : (أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) [هود : ٨٠]. وقيل : الباء للتعدية فتكون بمعنى تقوى بجنده (٣). ويحتمل أن يكون المراد تولّى أمر موسى بقوّته ، كأنه قال : أقتل موسى لئلّا يبدّل دينكم ، فتولى أمره بنفسه ، فيكون المفعول غير مذكور وركنه هو نفسه القوية. ويحتمل أن يكون المراد بركنه هامان فإنه كان وزيره (٤).
قوله : (ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) «أو» هنا على بابها من الإبهام على السامع أو للشكّ نزّل نفسه مع أنه يعرفه بيّنا حقا منزلة الشاكّ في أمره تمويها على قومه. وقال أبو عبيدة (٥) : «أو» بمعنى الواو ، قال : لأنه قد قالهما (٦) ، قال تعالى : (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) [الأعراف : ١٠٩] ، وقال تعالى في موضع آخر : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ)(٧) [الشعراء : ٢٧] ، وتجيء «أو» بمعنى الواو ، كقوله :
٤٥٢٩ ـ أثعلبة الفوارس أو رياحا |
|
عدلت بهم طهيّة والخشابا (٨) |
ورد الناس عليه (٩) هذا وقالوا : لا ضرورة تدعو إلى ذلك. وأما الآيتان فلا يدلّان على أنه قالهما معا ، وإنما يفيد أنه قالهما أعم (١٠) من أن يكونا معا أو هذه في وقت وهذه في آخر (١١).
قوله : (وَجُنُودَهُ) يجوز أن يكون معطوفا على مفعول «أخذناه» (١٢) وهو الظاهر ، وأن يكون مفعولا معه. (فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ) أغرقناهم في البحر.
قوله : (وَهُوَ مُلِيمٌ) جملة حالية ، فإن كانت حالا من مفعول «نبذناهم» فالواو لازمة؛
__________________
(١) قاله العكبري في المرجع السابق.
(٢) هذا قول البغوي والخازن في تفسيريهما ٦ / ٢٤٥. وقد قال بذلك كل المفسرين أيضا وانظر : القرطبي ١٧ / ٤٩.
(٣) أي اتخذ وليا.
(٤) قال بهذه المعاني والاحتمالات الإمام الفخر ٢٨ / ٢٢٠.
(٥) وهو قول أبي حيّان في البحر ٨ / ١٤٠.
(٦) في المجاز : لأنهم قد قالوهما جميعا له. وانظر : المجاز ١ / ٢٢٧.
(٧) أقول : ونفس رأي أبي عبيدة هو رأي الفراء والمؤرّج انظر : القرطبي ١٧ / ٥٠.
(٨) من الوافر لجرير ، وطهيّة كسميّة حيّ من تميم نسبوا إلى أمهم والخشاب من تميم أيضا وثعلبة ورياح من يربوع. والمعنى يحتم أن «أو» بمعنى «الواو». وقد تقدم.
(٩) أي على أبي عبيدة ومن حذا حذوه.
(١٠) كذا في أوفي ب أهم بالهاء.
(١١) بالمعنى من البحر ٨ / ١٤٠.
(١٢) وهو الهاء.