والرّسالة صلوات الله عليهم أجمعين وهي مذكورة في محالّها من كتب الأحاديث والآثار. ويحتمل أن يكون المراد من الحكم هو الحكمة النّظريّة والعمليّة فيشمل فصل الخصومات وسائر الأمور الدينيّة ، ولعلّ هذا الحمل أنسب بالمقام وأحسن بالكلام. ومنها (النُّبُوَّةَ) فإن هذه النعمة السامية قد كثرت فيهم ولم تكثر في غيرهم من أرباب الملل والنّحل والطّوائف والأحزاب. ومنها ما بيّنه بقوله : (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أي اللذائذ المباحة وذلك لأنه تعالى أهلك فرعون وقومه فأورثهم أرضهم أي أرض مصر ونواحيها التي كانت تحت سيطرته وسلطانه مع سعتها نسبة ، وديارهم وأموالهم الكثيرة من الخزائن والكنوز والمتاحف والبساتين التي تجري تحتها الأنهار كما وصفها لقومه في مقام ترفّعه على موسى على ما ذكر سابقا ، ثم أنزل عليهم المنّ والسّلوى. والحاصل أنه سبحانه أعطى بني إسرائيل نصيبا وافرا وحظّا جزيلا من الدنيا بحيث ما أعطاها أمة أحد من النبيّين صلوات الله عليهم أجمعين. ومنها وهو أعظم من كثير من النّعم المعدودة وهو ما قاله الله تعالى : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) قال بعض المفسّرين أراد بالعالمين عالمي زمانهم ، لكن الظاهر لا داعي لهذا التخصيص لأن بني إسرائيل فضّلوا على العالمين بمعناه العام من جهات : الأولى من جهة كثرة الرّسل منهم دون سائر الأمم ، والثانية قضيّة نزول المنّ والسّلوى الذي يشبهه نزول المائدة من السّماء في الأزمنة المتمادية والثّالثة ظهور اثني عشر عينا من الماء العذب من صخرة واحدة لم يوجد مثله في العذوبة في مياه الدّنيا ولا سيما في ذلك العصر. فهذه وغيرها أمور اختصّت بهم ولم تكن لواحدة من الأمم من الأولين والآخرين حتى لأمّة خاتم النبيّين. فيصحّ أن يقال إنه تعالى فضّلهم على العالمين جميعا بهذه الخصائص. فلا كلام في فضيلتهم على الكلّ وإنما الكلام في أنهم بأيّ موجب صاروا مستأهلين لهذه النّعم وبأيّ سبب استوجبوا لمقام الرسالة الشامخ وأن يكونوا آباء الرّسل والأنبياء العظام مع أن المشهور بين أهل الحق والحقيقة أن الرسل