الإنسان هو عبارة عن ميل نفسه ، ولذا قيل : كان أحدهم (من قريش) يستحسن حجرا فتميل نفسه إليه فيعبده ، فإذا رأى أحسن وأجمل منه رفضه وعبد الثاني ، وهكذا (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) أي خذله بأن يتركه وشهواته ويخلّي بينه وبينها لأنه سبحانه يعلم بخبث جوهر ذاته بحيث لو بقي في الدّنيا مخلّدا لما آمن به تعالى ولما صدّق رسوله ، وهذا من علل تخليده في النّار ، فالشقيّ شقيّ في بطن أمّه (وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ) أي طبع الله عليهما بحيث لا يؤثّر فيهما وعظ ولا نصح أصمّه الله عن سماع الوعظ وجعل قلبه لا يقبل الحق لما علم سبحانه من إصراره على الكفر لأنّه لا يؤمن أبدا. وعن عليّ صلوات الله عليه وعلى أولاده الطّاهرين :
سبق في علمه أنهم لا يؤمنون فختم على قلوبهم وسمعهم ليوافق قضاؤه عليهم علمه فيهم. ألا تسمع إلى قوله : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ)؟ (وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) أي وضع على بصره غطاء حتى لا يرى آياته تعالى ودلائل توحيده وقدرته فكأنّه أعمى (لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها) كما أن (لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها) فجحدهم وعنادهم للحقّ والحقيقة مانع عن استماع المواعظ وعن النظر في آياته سبحانه والتفكّر فيها ، فهم في حكم الأعمى بعدم النظر ، وفي حكم الأصم بعدم الاستماع ، إلّا أن الأعمى والأصم غير مقصّرين وهم مقصّرون (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ) أي بعد أن خلّاه وضلاله ، أو من بعد هداية الله له بآياته الباهرة وعدم اهتدائه بها (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) أي أفلا تتّعظون بهذه المواعظ ولا تتنّبهون بهذه المنبّهات؟ يعني تذكّروا وتنبّهوا فإن الرحيل قريب ثم إنّه سبحانه أخبر عن حال منكري البعث فقال :
* * *
(وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما