المصدر الدالّ عليه إلى المفعول ، وهذا يعدّ من محاسن الكلام لأنه موجب لتخفيف الكلام مع أداء المرام (حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ) أي أكثرتم قتلهم وبالغتم في إفنائهم بحيث ثخن وجه الأرض من دمائهم أي غلظ (فَشُدُّوا الْوَثاقَ) أي أحكموا وثاقهم في الأسر أي فأسروهم وأوثقوهم بالحبال التي تشدونهم بها. والحكمة في شدّ الوثاق إمّا لعدم فرارهم وإما لتشديد الأمر وتعذيبهم حتى يؤمنوا والله العالم (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) يعني مخيّر أنت يا محمد بين المنّ عليهم وإطلاقهم ، وبين أخذ الفداء منهم (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) أي هذا التخيير باق لك ما دامت الحرب قائمة ، وبعد تمام الحرب وانتهاء مشقّاتها وأتعابها ومشاكلها واستئصال الكفرة وهلاكهم أو إسلامهم أو مسالمتهم فهذا الحكم ينتفي بانتفاء موضوعه. نعم إذا كان بعد تمام الحرب بقي في أيديهم الأسير وحاله كالأسير حال الحرب يجيء فيه التخيير المذكور (ذلِكَ) أي الأمر هكذا (وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ) بأهلاكهم بلا قتال (وَلكِنْ) أمركم به (لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) أي ليختبر الكافرين بالمؤمنين بأن يعاجلهم على أيدي المؤمنين ببعض عذابهم كي يرتدع بعضهم عن كفرهم وعنادهم فيؤمنوا بالله ورسوله فيظهر المطيع من العاصي فيثاب الأول ويعاقب الثاني (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أي جاهدوا ، وقريء قتلوا أي استشهدوا (فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) أي فلن يضيّع الله ما عملوا (سَيَهْدِيهِمْ) إلى الجنّة (وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) أي حالهم في الدارين (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ) جملة (عَرَّفَها) في موضع النصب بناء على الحالية أي في حال هو تعالى عرّف لهم الجنّة في الدّنيا على ألسنة أوليائه وأنبيائه ورسله لهم. وقال القمّي أي وعدها إياهم وادّخرها لهم.
* * *