ودخلت الفاء قال الزمخشري : بمعنى كنتم تقولون للوحي : هذا سحر فسحر هذا يريد (١) هذا المصداق أيضا سحر (٢) ؛ ودخلت الفاء لهذا المعنى ، وهذا تحقيق للأمر ؛ لأن من يرى شيئا ولا يكون الأمر على ما يراه فذلك الخطأ يكون لأجل أحد أمرين : إما لأمر عائد إلى المرئيّ ، وإمّا لأمر عائد إلى الرائي ، فقوله : (أَفَسِحْرٌ هذا) أي هل في الموت (٣) شكّ أم هل في بصركم خلل؟! فهو استفهام إنكار أي لا أمر منهما ثابت فالذي ترونه حق وقد كنتم تقولون : إنه ليس بحق (٤) ، وذلك أنهم كانوا ينسبون محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إلى السحر ، وأنه يغطي الأبصار بالسّحر ، وانشقاق القمر وأمثاله سحر ، فوبخوا به ، وقيل لهم : أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون (٥).
قوله : اصلو (ها) (٦) أي إذ لم يمكنكم إنكارها ، وتحقق أنه ليس بسحر ولا خلل في أبصاركم فاصلوها (٧) ؛ أي قاسوا (٨) شدتها. (فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا) أي الصبر وعدمه سواء ، وهذا بيان لعدم الخلاص.
قوله : «سواء» فيه وجهان :
أحدهما : أنه خبر مبتدأ محذوف أي صبركم وتركه سواء. قاله أبو البقاء (٩).
والثاني : أنه مبتدأ والخبر محذوف أي سواء الصبر والجزع ، قاله أبو حيان (١٠).
قال شهاب الدّين : والأول أحسن ، لأن جعل النكرة خبرا أولى من جعلها مبتدأ وجعل المعرفة خبرا.
ونحا الزمخشري منحى الوجه الثاني فقال : «سواء» خبره محذوف أي سواء عليكم الصّبرانه الصبر وعدمه (١١).
قوله : (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فيه لطيفة ، وهي أن المؤمن بإيمانه استفاد أن الخير الذي ينويه يثاب عليه ، والشّرّ الذي يقصده ولا يقع منه لا يعاقب عليه ولا ظلم ، فإن الله تعالى أخبره به وهو اختار ذلك ودخل (فيه) (١٢) باختياره ، فإن الله تعالى قال بأن من كفر ومات كافرا عذبته أبدا فاحذروا ، ومن آمن أثبته دائما فمن ارتكب الكفر ودام عليه بعد ما سمع ذلك فإذا عوقب دائما فهو تحقيق لما أوعد به (١٣) فلا يكون ظلما.
__________________
(١) في (ب) يريد هذا مصداق.
(٢) بالمعنى من الكشاف ٤ / ٢٣.
(٣) في الرازي : المرئيّ.
(٤) الرازي ٢٨ / ٢٤٧.
(٥) قال بتلك العلة الإمام البغويّ وتبعه الخازن في مرجعيهما معالم التّنزيل ولباب التأويل ٦ / ٢٥٠.
(٦) لفظة (ها) ساقطة من (أ) الأصل.
(٧) قال بهذا المعنى الرازي في مرجعه السابق.
(٨) بينما قال بهذا المعنى البغوي في مرجعه السابق أيضا.
(٩) التبيان ١١٨٣.
(١٠) البحر المحيط ٨ / ١٤٨.
(١١) الكشاف ٤ / ٢٣.
(١٢) ما بين القوسين سقط من (ب).
(١٣) في (ب) وعده. والصحيح من (أ) كما في الرازي فإن معنى الوعد والوعيد والسياق تحتّم أصحيّة (أ).