قال : ويحتمل أن يكون المراد معنى قوله : (ما ضَلَّ) أي ما جنّ فإنّ المجنون ضالّ وعلى هذا فهو كقوله : (وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) [القلم : ١ و ٢]. ومعنى صاحبكم إما سيدكم أو صاحبكم (ما غَوى) أي ما تكلم بالباطل (١). وقيل : ما خاب والغيّ الخيبة (٢).
قوله : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) أي ما يصدر عن الهوى نطقه (فعن) على بابها. وقيل: بمعنى الباء (٣) ، أي ما ينطق بالهوى يريد لا يتكلم بالباطل ، وذلك أنهم قالوا : إنّ محمدا يقول القرآن من تلقاء نفسه.
وفي فاعل (ينطق) وجهان :
أحدهما : هو ضمير النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهو الظاهر.
والثاني : أنه ضمير القرآن كقوله تعالى : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) [الجاثية : ٢٩].
واعلم أن في قوله تعالى : (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى) بصيغة الماضي وفي قوله : (وَما يَنْطِقُ) بصيغة المستقبل ترتيب في غاية الحسن أي ما ضل حين اعتزلكم وما تعبدون في صغره (وَما غَوى) حين اختلى بنفسه ورأى في منامه ما رأى وما ينطق عن الهوى الآن حيث أرسل إليكم وجعل رسولا شاهدا عليكم فلم يكن أولا ضالا ولا غاويا وصار الآن منقذا من الضلالة مرشدا وهاديا (٤).
قوله تعالى : (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) إن هو أي إن الذي ينطق به. وقيل : إن القرآن إلا وحي من الله. وقوله : «يوحى» صفة لوحي. وفائدة المجيء بهذا الوصف أنه ينفي المجاز أي هو وحي حقيقة لا بمجرد تسمية كقولك : هذا قول يقال. وقيل : تقديره يوحى إليه. ففيه مزيد فائدة (٥).
نقل القرطبيّ (٦) عن السّجستانيّ (٧) أنه قال : إن شئت أبدلت (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) من (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ). قال ابن الأنباريّ (٨) : وهذا غلط ، لأن «إن» الحقيقة لا تكون مبدلة من «ما» ؛ بدليل أنك لا تقول والله ما قمت إن أنا لقاعد (٩).
__________________
(١) وانظر تفسير الرازي ٢٨ / ٢٨٠.
(٢) نقله إمام قرطبة في الجامع له ولم يحدده. انظر الجامع للقرطبي ١٧ / ٨٤.
(٣) ونسبه القرطبي لأبي عبيدة وهو له كما في المجاز ٢ / ٣٤٦. ومعظم المفسرين على أن (عن) على بابها.
(٤) الرازي السابق ٢٨ / ٢٨٠ و ٢٨١.
(٥) بالمعنى من الرازي ٢٨ / ٢٨٤.
(٦) الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي صاحب الجامع لأحكام القرآن التفسير الشهير والمعتمد عليه في بحثنا هذا وصاحب كتاب التذكرة والمتوفى سنة ٦٧١ ه.
(٧) هو أبو حاتم وقد مر ترجمته وذكره مرارا.
(٨) الإمام أبو بكر الكوفيّ الشهير. وقد مرّ أيضا ترجمته.
(٩) نقل تلك العبارات في الجامع القرطبي ١٧ / ٨٥.