أي عقيب ما سمعتم من عظمة آيات الله الكبرى ونفاد أمره في الملأ الأعلى وما تحت الثّرى انظروا إلى اللات والعزى تعلموا فساد ما ذهبتم إليه (١).
قوله تعالى : (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى) قال الكلبي : كان المشركون بمكة يقولون للأصنام والملائكة بنات الله.
قال ابن الخطيب : معناه كيف جعلتم لله البنات وقد اعترفتم في أنفسكم أن البنات ناقصات والبنون كاملون والله كامل العظمة فكيف نسبتم إليه الناقص وهو في غاية الذلة والحقارة حيث عبدتم الجماد من الحجارة والشجر ثم نسبتم إليكم الكامل فهذه قسمة جائرة على زعمكم وعادتكم لأنه كان ينبغي أن تجعلوا الأعظم للعظيم والأنقص للحقير فخالفتم النقل والعقل والعادة؟(٢)
قوله : (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) ، «تلك» إشارة إلى محذوف تقديره تلك القسمة قسمة غير عادلة. ويحتمل أن يقال : تلك النسبة ؛ أي التي نسبوها إلى الله بأنّ له البنات. وقوله (إذن) جواب نسبتهم البنات إلى الله (٣).
وقوله : (ضِيزى) قرأ ابن كثير ضئزى بهمزة ساكنة والباقون بياء ساكنة (٤). وزيد بن عليّ ضيزى ، بفتح الضاد والياء الساكنة. فأما قراءة العامة فيحتمل أن تكون من ضازه يضيزه إذا ضامه وجار عليه فمعنى ضيزى أي جائرة (٥). وقال مجاهد ومقاتل : قسمة عوجاء.
وقال الحسن : غير معتدلة ، قال الشاعر :
٤٥٦٠ ـ ضازت بنو أسد بحكمهم |
|
إذ يجعلون الرّأس كالذّنب (٦) |
وعلى هذا فيحتمل وجهين :
أحدهما : أن تكون صفة على «فعلى» ـ بضم الفاء ـ وإنما كسرت الفاء لتصحّ الياء «كبيض». فإن قيل : وأي ضرورة إلى أن يقدر أصلها ضمّ الفاء؟ ولم لا قيل : إنّها فعلى بالكسر؟.
__________________
(١) الرازي ٢٨ / ٢٩٦ و ٢٩٧.
(٢) بالمعنى من التفسير الكبير للرازي ٢٨ / ٢٩٧.
(٣) المرجع السابق أيضا.
(٤) قال مكي في الكشف : وهما لغتان وهي قراءة متواترة. وانظر الكشف ٢ / ٢٩٥ والسبعة ٦١٥ والإتحاف ٤٠٣.
(٥) البغوي ٦ / ٢٦٣.
(٦) نسب لامرىء القيس وهو من الكامل ولم أجده في الديوان. وشاهده أن ضاز بمعنى ظلم واعوجّ.
وانظر القرطبي ١٧ / ١٠٢ ، والبحر ٨ / ٥٤ وفتح القدير ٥ / ١٠٩ ، والدر المنثور ٧ / ١٥٤ ، وروح المعاني ٢٧ / ٥٧.