فإن قيل : كيف قال : سميتموها أنتم مع أن هذه الأسماء موضوعة قبلنا؟
فالجواب : أن كل من نطق بهذه الألفاظ فهو كالمبتدىء الواضع ؛ لأن الواضع الأول لهذه الأسماء لما لم يكن واضعا بدليل نقلي أو عقلي لم يجب اتباعه ولا يجوز فصار هو كالمبتدىء ؛ إذ لا مقتدى له.
فإن قيل : الأسماء لا تسمّى وإنما يسمى بها فكيف قال : أسماء سميتموها؟
فالجواب من وجهين :
الأول : أن التسمية وضع الاسم فكأنه قال : أسماء وضعتموها ، فاستعمل سمّيتموها استعمال وضعتموها.
الثاني : لو قال : أسماء سمّيتم بها لكان هناك غير الاسم شيء يتعلّق به الباء في قولك بها ؛ لأن قول القائل : سميت به يستدعي دخولا آخر ، تقول : سميت بزيد ابني أو عبدي أو غير ذلك فيكون قد جعل للأصنام اعتبارا.
فإن قيل : هذا باطل بقوله تعالى : (وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ) [آل عمران : ٣٦] حيث لم يقل : وإنّي سمّيتها بمريم ولم يكن ما ذكرت مقصودا وإلا لكانت مريم غير ملتفت إليها كما قلت في الأصنام.
فالجواب : بينهما بون عظيم ؛ لأن هناك قال : سمّيتها مريم فذكر المفعولين فاعتبر حقيقة مريم بقوله : سميتها واسمها بقوله : مريم ، وأما ههنا فقال : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ) موضوعة فلم تعتبر الحقيقة ههنا واعتبرها في مريم (١).
قوله : (ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) أي حجة بما يقولون : إنها آلهة. واستعملت الباء في قوله (بها) كقولك : ارتحل فلان بأهله ومتاعه أي ارتحل ومعه الأهل والمتاع. كذلك ههنا (٢) قوله : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ) هذا رجوع إلى الخبر بعد المخاطبة فقال : إن يتّبعون إلّا الظّنّ في قولهم : إنها آلهة.
قرأها العامة على الغيبة التفاتا من خطابهم إلى الغيبة عنهم تحقيرا لهم ، كأنه قطع الكلام معهم وقال لنبيّه : إنهم لا يتبعون إلا الظن فلا تلتفت إلى قولهم.
ويحتمل أن يكون المراد غيرهم ، وفيه وجهان :
الأول : أن يكون المراد آباءهم كأنه تعالى قال : سمّيتموها أنتم وآباؤكم فكأنهم قالوا : هذه الأسماء لم نضعها نحن ، وإنّما تلقيناها من آبائنا فقال : وسمّاها آباؤكم وما يتبعون إلّا الظّنّ (٣).
__________________
(١) وانظر تفسير الإمام ٢٨ / ٢٩٩ و ٣٠٠.
(٢) المرجع السابق.
(٣) ذكر هذه التحليلات والتوجيهات الإمام فخر الدين في مرجعه السّابق أيضا.