وقال بسّام بن عبد الله (١) : أضحك أسنانهم وأبكى قلوبهم ، وأنشد [رحمهالله](٢) :
٤٥٧٠ ـ السّنّ تضحك والأحشاء تحترق |
|
وإنّما ضحكها زور ومختلق |
يا ربّ باك بعين لا دموع لها |
|
وربّ ضاحك سنّ ما به رمق (٣) |
قيل : إن الله تعالى خص الإنسان بالضحك والبكاء من بين سائر الحيوانات. وقيل : إن القرد وحده يضحك ولا يبكي ، وإن الإبل وحدها تبكي ولا تضحك. وقال يوسف بن الحسين : سئل طاهر المقدسيّ (٤) : أتضحك الملائكة؟ فقال : ما ضحكوا ولا كلّ من دون العرش.
قوله تعالى : (وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا) أي أمات في الدّنيا ، وأحيا للبعث. وقال القرطبي: قضى أسباب الموت والحياة. وقيل : خلق الموت والحياة. قاله ابن بحر. وقيل : أمات النّطفة وأحيا النّسمة ، وقيل : أمات الآباء وأحيا الأبناء. وقيل : أمات الكافر بالكفر ، وأحيا المؤمن بالإيمان (٥).
قال ابن الخطيب : فإن قيل : معنى أمات وأحيا حتى يعلم ذلك بل مشاهدة الإحياء والإماتة بناء على الحياة والموت؟.
نقول : فيه وجوه :
أحدها : أنه على التقديم والتأخير كأنه قال : أحيا وأمات.
ثانيها : هو بمعنى المستقبل ، فإن الأمر قريب المستقبل ، يقال : كأنّ فلانا وصل والليل دخل ، إذا قرب مكانه وزمانه فكذلك الإحياء والإماتة.
ثالثها : أنه خلق الموت والجمود في العناصر ثم ركّبها و «أحيا» أي خلق الحسّ والحركة فيها (٦).
قوله : (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) أي من كل حيوان. ولم يرد آدم وحوّاء ؛ لأنهما ما خلقا من نطفة. وهذا أيضا من جملة المتضادات الواردة على النطفة ، فبعضها يخلق ذكرا وبعضها يخلق أنثى ، ولا يصل إليه فهم الطّبيعيّ ، والذي يقولونه من البرد والرطوبة في الأنثى فربّ امرأة أحر وأيبس مزاجا من الرّجل.
__________________
(١) القرطبي المرجع السابق.
(٢) زيادة من أ.
(٣) بيتان من البسيط لم أعرف منشدهما وجاء بهما المؤلف للمعنى المسوق وهي ضحك الأسنان وبكاء القلوب وانظر القرطبي ١٧ / ١١٧ والسراج المنير ٤ / ١٣٧.
(٤) طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي ، سمع من المقومي ثم رحل إلى همذان وتوفي سنة ٥٦٦ ، وانظر شذرات الذهب ٤ / ٢١٧.
(٥) ذكر هذه الأقوال القرطبيّ في الجامع ١٧ / ١١٧.
(٦) الرازي ١٥ / ٢٠.