فالجواب : أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : أتاني جبريل فقال : «إنّ الله يأمرك أن تقضي مع الشاهد» وقال : يوم الأربعاء يوم نحس مستمرّ. ومعلوم أنه لم يرد أنه نحس على المصلحين بل على المفسدين ، كما كانت الأيام النحسات على الكفار ، لا على نبيهم والمؤمنين.
واعلم أنه تعالى قال ههنا : إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا وقال في الذاريات : (إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) [الذاريات : ٤١] فعرّف الريح هناك ، ونكّرها ههنا ؛ لأن العقم في الريح أظهر من البرد الذي يضرّ النبات أو الشدة التي تعصف الأشجار ، لأن الريح العقيم هي التي لا تنشىء سحابا ، ولا تلقّح شجرا وهي كثيرة الوقوع ، وأما الريح المهلكة الباردة فقلما توجد فقال : الريح العقيم أي هذا الجنس المعروف (١).
ثم زاده بيانا بقوله : (ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) فتميزت عن الريح العقيم ، وأما الصرصر فقليلة الوقوع فلا تكون مشهورة فنكّرها (٢).
قوله : (فِي يَوْمِ نَحْسٍ) العامة على إضافة يوم إلى نحس ـ بسكون الحاء ـ وفيه وجهان: أحدهما : أنه من إضافة الموصوف إلى صفته.
والثاني ـ وهو قول البصريين (٣) ـ أنه صفة لموصوف محذوف أي يوم عذاب نحس.
وقرأ الحسن ـ (رضي الله عنه) (٤) بتنوينه ووصفه بنحس (٥) ولم يقيّده الزمخشري بكسر الحاء (٦). وقيده أبو حيان (٧). وقد قرىء قوله : (فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) [فصلت : ١٦] بسكون الحاء وكسرها ، وتنوين «أيام» عند الجميع كما تقدم تقريره ، و «مستمرّ» صفة «ليوم» أو «نحس». ومعناه كما تقدم أي عليهم حتى أهلكهم ، أو من المرارة. قال الضحاك : كان مرا عليهم وكذا حكى الكسائي أن قوما قالوا هو من المرارة يقال : مرّ الشّيء ، وأمرّ أي كان كالشيء المر تكرهه النفوس ، وقد قال : (فَذُوقُوا) [آل عمران : ١٠٦] والذي يذاق قد يكون مرّا (٨).
__________________
(١) وانظر الرازي ١٥ / ٤٥ و ٤٦.
(٢) السابق ٤٦ و ٤٧ ج ١٥.
(٣) وسبق هذا الرأي رأي البصرة والكوفة في مثل هذا.
(٤) زيادة من (أ) الأصل.
(٥) قال القرطبي في الجامع : وقرأ هارون الأعور نحس بكسر الحاء. الجامع ١٧ / ١٣٥. ولم يبين ما إذا كان صفة أم لا. وقد نقل المؤلف قراءة الحسن من البحر لأبي حيان ٨ / ١٧٩.
(٦) الكشاف ٤ / ٣٩.
(٧) البحر المرجع السابق.
(٨) وانظر جامع القرطبي ١٧ / ١٣٥.