العموم ، لأن التقدير : إنّا خلقنا كلّ شيء خلقناه بقدر «فخلقناه» تأكيد وتفسير «لخلقنا» المضمر الناصب ل «كلّ شيء» (١) فهذا لفظ عام يعمّ جميع المخلوقات.
ولا يجوز أن يكون «خلقناه» صفة ل «شيء» ؛ لأن الصفة والصلة لا يعملان قبل فيما قبل الموصوف ولا الموصول ، ولا يكونان تفسيرا لما يعمل فيما قبلهما ، فإذا لم يبق «خلقناه» صفة لم يبق إلا أنّه تأكيد وتفسير للمضمر الناصب وذلك يدل على العموم.
وأيضا فإن النصب هو الاختيار (٢) ؛ (لأن (٣) «إنّا» عندهم تطلب الفعل ، فهو (٤) أولى به فالنصب عندهم في «كل» هو الاختيار) فإذا انضاف إليه معنى العموم والخروج (٥) عن الشبه كان النصب أولى (٦) من الرفع (٧).
وقال ابن عطيه وقوم من أهل السنة : بالرفع (٨). قال أبو الفتح : هو الوجه في العربية (٩) وقراءتنا بالنصب مع الجماعة (١٠).
وقال الزمخشري : كل شيء منصوب بفعل مضمر يفسره الظاهر.
وقرىء : كلّ شيء بالرفع. والقدر والقدر : التقدير (١١). وقرىء بهما أي خلقنا كل شيء مقدّرا محكما مرتبا على حسب ما اقتضته الحكمة أو مقدرا مكتوبا في اللوح المحفوظ معلوما قبل كونه قد علمنا حاله وزمانه انتهى.
وهو هنا يتعصب للمعتزلة لضعف وجه الرفع.
وقال قوم : إذا كان الفعل يتوهم فيه الوصف ، وأن ما بعده يصلح للخبر وكان المعنى على أن يكون الفعل هو الخبر اختار النصب في الاسم الأول حتى يتضح أن الفعل ليس بوصف. ومنه هذا الموضع ، لأن قراءة الرفع تخيل أن النصب (١٢) وصف وأن الخبر : «بقدر» (١٣).
__________________
(١) في المشكل : «فإذا حذفته وأظهرت الأول صار التقدير : إنّا خلقنا كلّ شيء (خلقناه) بقدر».
(٢) في المشكل : الاختيار عند الكوفيين.
(٣) ما بين القوسين سقط من نسخة ب بسبب انتقال النظر.
(٤) في المشكل : فهي أولى. أي إنّا. وما بين القوسين كله سقط من ب.
(٥) وفيه : «من» بدلا من «عن».
(٦) وفيه : أقوى بدل من أولى.
(٧) وانظر في هذا الكلام كله نص مكي في مشكل الإعراب ٢ / ٣٤٠ و ٣٤١. وانظر أيضا البيان ٢ / ٤٠٦ والعكبري ١١٩٦ ، والقرطبي ١٧ / ١٤٧ والمحتسب ٢ / ٣٠٠.
(٨) نقله صاحب البحر المحيط ٨ / ١٨٣ والرازي.
(٩) قد تقدم كلامه قبل قليل.
(١٠) المرجع السابق له.
(١١) نقله في كشافه ٤ / ٤١ وفي الكشاف : والتقدير بواو زائدة.
(١٢) الصحيح كما في ب والبحر والمنطق : الفعل.
(١٣) ولم يحدد أبو حيان من قال بهذا القول في البحر ٨ / ١٨٣.