فالذي عنده قليل من الحق أسند ذلك إلى إرادة الله تعالى ومشيئته ، والآخر يقول : ذلك بحسب اتصالات الكواكب وأوضاعها.
فإن قيل له : لماذا اختلفت أوضاع الكواكب على الوجه الذي أوجب البرد في بعض الأرض دون بعض؟ بهت كما بهت الذي كفر ، ويرجع إلى الحق إن هداه الله تعالى.
وقال ابن الخطيب (١) : ومعنى الآية أن الله ـ تعالى ـ أرسل بعض البحرين إلى بعض ، ومن شأنهما الاختلاط فحجزهما ببرزخ من قدرته ، فهما لا يبغيان ، أي : لا يجاوز كل واحد منهما ما حد له.
و «البغي» : مجاوزة الحد ، أو من الابتغاء وهو الطّلب ، أي : لا يطلبان غير ما قدر لهما (٢).
قوله : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) قرأ نافع ، وأبو عمرو : «يخرج» مبنيّا للمفعول ، والباقون : مبنيّا للفاعل على المجاز.
قالوا (٣) : ثم مضاف محذوف ، أي «من أحدهما» ؛ لأن ذلك لم يؤخذ من البحر العذب حتى عابوا قول الشاعر : [الطويل]
٤٦٣٤ ـ فجاء بها ما شئت من لطميّة |
|
على وجهها ماء الفرات يموج (٤) |
قال مكي (٥) : «كما قال : (عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ) [الزخرف : ٣١] ، أي : من إحدى القريتين ، فحذف المضاف كثير شائع».
وقيل : هو كقوله : (نَسِيا حُوتَهُما) [الكهف : ٦١] وإنما الناسي فتاه ، ويعزى هذا لأبي عبيدة.
قال البغوي (٦) : وهذا جائز في كلام العرب أن يذكر شيئين ، ثم يخص أحدهما بفعل ، كقوله : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) [الأنعام : ١٣٠] ، ثم كانت الرسل من الإنس.
وقيل : يخرج من أحدهما اللؤلؤ ، ومن الآخر المرجان.
وقيل : بل يخرجان منهما جميعا.
ثم ذكروا أقاويل.
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ٢٩ / ٨٩.
(٢) ينظر : الحجة للقراء السبعة ٦ / ٢٤٦ ، وإعراب القراءات ٢ / ٣٣٤ ، ٣٣٥ ، وحجة القراءات ٦٩١ ، والعنوان ١٨٤ ، وشرح شعلة ٥٩٣ ، وشررح الطيبة ٦ / ٣٠ ، وإتحاف ٢ / ٥١٠.
(٣) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٤٠.
(٤) البيت لأبي ذؤيب الهذلي. ينظر ديوان الهذليين ١ / ٢٥٧ واللسان (دوم) ، والبحر.
(٥) الدر المصون ٦ / ٢٤٠.
(٦) ينظر معامل التنزيل ٤ / ٢٦٩.