وقال الحسن والربيع : (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) الميامين على أنفسهم بالأعمال الصالحة ، وأصحاب المشأمة : المشائيم على أنفسهم بالأعمال السيئة.
وفي صحيح مسلم من حديث «الإسراء» عن أبي ذرّ عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «فلمّا علونا السّماء الدّنيا ، فإذا رجل عن يمينه أسودة ، وعن يساره أسودة ، قال فإذا نظر قبل يمينه ضحك ، وإذا نظر قبل شماله بكى ، قال : فقال : مرحبا بالنبيّ الصّالح والابن الصّالح ، قال : فقلت : يا جبريل من هذا؟.
قال : هذا آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله بنوه فأهل اليمين أهل الجنّة ، والأسودة الّتي عن شماله أهل النّار» وذكر الحديث (١).
وقال المبرد : (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) أصحاب التقدم ، وأصحاب المشأمة أصحاب التأخّر والعرب تقول : اجعلني في يمينك ولا تجعلني في شمالك أي : اجعلني من المتقدمين ولا تجعلني من المتأخرين (٢).
ثم عجب نبيه صلىاللهعليهوسلم فقال : (ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) وهذا كما يقال : «زيد ما زيد» ، يريد «زيد شديد» فالتكرير في (ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) ، و (ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) للتّفخيم والتعجّب ، كقوله : (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ) ، و (الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ) كما يقال : «زيد ما زيد».
وفي حديث أم زرع رضي الله عنها : «مالك ، وما مالك؟» (٣).
والمقصود : تكثير ما لأصحاب الميمنة من الثواب ، وأصحاب المشأمة من العقاب.
والفاء في قوله : «فأصحاب» تدل على التقسيم ، وبيان ما ورد عليه التقسيم ، كأنه قال: أزواجا ثلاثة : أصحاب الميمنة ، وأصحاب المشأمة ، والسابقون ، وبين حال كل قسم فقال: (ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) وترك التقسيم أولا ، واكتفى بما يدل عليه بأن تذكر الأقسام الثلاثة مع أحوالها.
فإن قيل : ما الحكمة في اختيار لفظ «المشأمة» في مقابلة «الميمنة» مع أنه قال في بيان أحوالهم (وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ)؟.
فالجواب : أنّ اليمين وضع للجانب المعروف ، واستعملوا منها ألفاظا في مواضع فقالوا : «هذا ميمون» تيمنا به ، ووضعوا مقابلة اليمين اليسار من الشيء اليسير إشارة إلى ضعفه ، ولفظ الشمال في مقابلته ، واستعملوا منه ألفاظا تشاؤما به ، فذكر «المشأمة»
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : القرطبي ١٧ / ١٢٩.
(٣) أخرجه البخاري (٩ / ١٦٣) كتاب النكاح ، باب : حسن المعاشرة مع الأهل رقم (٥١٨٩) ومسلم (٤ / ١٨٩٦) كتاب فضائل الصحابة ، باب ذكر حديث أم زرع حديث (٩٢ / ٢٤٤٨) من حديث عائشة.