ومعنى الآية : أنكم مكذبون بالرّزق ، أي ؛ تضعون الكذب مكان الشّكر ، كقوله تعالى : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) [الأنفال : ١٥] ، أي : لم يكونوا يصلون ، ولكنهم كانوا يصفرون ويصفقون مكان الصّلاة.
قال القرطبي (١) : وفيه بيان أن ما أصاب العباد من خير ، فلا ينبغي أن يروه من قبل الوسائط التي جرت العادة بأن تكون أسبابا ، بل ينبغي أن يروه من قبل الله ـ تعالى ـ ثم يقابلونه بشكر إن كان نعمة ، أو صبر إن كان مكروها تعبدا له وتذلّلا.
وروى علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلىاللهعليهوسلم قرأ : «وتجعلون شكركم أنكم تكذبون» خفيفة (٢).
وعن ابن عباس أيضا : أن المراد به الاستسقاء بالأنواء ، وهو قول العرب : مطرنا بنوء كذا ، رواه علي بن أبي طالب عن النبي صلىاللهعليهوسلم.
وفي «صحيح مسلم» عن ابن عبّاس قال : مطر النّاس على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أصبح من النّاس شاكر ومنهم كافر».
فقال بعضهم : هذه رحمة الله ؛ وقال بعضهم : لقد صدق نوء كذا وكذا ، قال : فنزلت هذه الآية : (* فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) حتى بلغ (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)(٣).
وعنه أيضا : أن النبي صلىاللهعليهوسلم خرج في سفر فعطشوا ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أرأيتم إن دعوت الله لكم فسقيتم لعلّكم تقولون : هذا المطر بنوء كذا» ، فقالوا : يا رسول الله ما هذا بحين الأنواء. فصلّى ركعتين ، ودعا ربه ، فهاجت ريح ، ثم هاجت سحابة فمطروا ، فمر النبي صلىاللهعليهوسلم ومعه عصابة من أصحابه برجل يغترف بقدح له ، وهو يقول : سقينا بنوء كذا ، ولم يقل هذا من رزق الله ، فنزلت : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)(٤).
أي : شكركم لله على رزقه إياكم أنكم تكذبون بالنعمة ، وتقولون : سقينا بنوء كذا ، كقولك : جعلت إحساني إليك إساءة منك إليّ ، وجعلت إنعامي إليك أن اتّخذتني عدوّا.
قال الشّافعي : لا أحب لأحد أن يقول : مطرنا بنوء كذا ، وإن كان النّوء عندنا الوقت المخلوق لا يضر ، ولا ينفع ، ولا يمطر ، ولا يحبس شيئا من المطر ، والذي أحبّ
__________________
(١) الجامع لأحكام القرآن ١٧ / ١٤٨.
(٢) انظر : القراءة السابقة.
(٣) أخرجه مسلم (١ / ٨٤) كتاب الإيمان ، باب : بيان كفر من قال مطرنا بالنوء حديث (١٢٧ / ٧٣) من حديث ابن عباس.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٣٣) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن مردويه.
(٤) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٣٤) وعزاه إلى ابن مردويه.