قال ابن الخطيب (١) : وهذا يدلّ على أن قبول التّوبة غير واجب عقلا على ما يقوله المعتزلة ؛ لأنه ـ تعالى ـ بين أنه لا يقبل الفدية أصلا ، والتوبة فدية ، فتكون الآية دالة على أنّ التوبة غير مقبولة أصلا ، وإذا كان كذلك لم تكن التوبة واجبة القبول عقلا.
قوله : (وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا).
عطف الكافر على المنافق ، والعطف يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه ، فيقتضي أن يكون المنافق كافرا؟.
وأجيب بأن المراد منه الذين أظهروا الكفر ، وإلّا فالمنافق كافر.
قوله : (مَأْواكُمُ النَّارُ) أي : هي مصيركم.
وقوله : (هِيَ مَوْلاكُمْ) يجوز أن يكون مصدرا أي : ولايتكم ، أي : ذات ولايتكم.
قال القرطبي (٢) : «تملك أمرهم ، بمعنى أن الله ـ تعالى ـ يركب فيها الحياة والعقل ، فهي تتميز غيظا على الكفّار ، ولهذا خوطبت في قوله تعالى : (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) [ق : ٣٠].
ويجوز أن يكون مكانا ، أي : مكان ولايتكم ، وأن يكون بمعنى أولى بكم ، كقوله تعالى : (هِيَ مَوْلاكُمْ) قاله الكلبي ، وهو قول الزجاج والفراء وأبي عبيدة».
قال ابن الخطيب (٣) : وهذا الذي قالوه معنى ، وليس تفسيرا للفظ ، لأنه لو كان «مولى وأولى» بمعنى واحد في اللغة لصحّ استعمال كل واحد منهما مكان الآخر ، وكان يجب أن يصحّ أن يقال : هذا أولى فلان ، كما يقال : مولى فلان ، ولما بطل ذلك علمنا أن الذي قالوه معنى ، وليس بتفسير ، وإنما نبّهنا على هذه الدقيقة ؛ لأن الشريف المرتضى لما تمسك في إمامة علي ـ رضي الله عنه ـ بقوله صلىاللهعليهوسلم : «من كنت مولاه فعليّ مولاه» (٤) قال : أحد معاني «مولى» أنه أولى. واحتج في ذلك بأقوال أئمة اللغة في تفسير هذه الآية ، بأن «مولى» معناه «أولى» إذا ثبت أن اللفظ محتمل له وجب حمله عليه ؛ لأن ما
__________________
(١) التفسير الكبير ٢٩ / ١٩٨.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ١٧ / ١٦١.
(٣) التفسير الكبير ٢٩ / ١٩٨.
(٤) أخرجه النسائي في خصائص عليّ (ص ١٥) وأحمد (٣ / ١٠٩) والحاكم (٣ / ١٠٩) وابن حبان (٢٢٠٥ ـ موارد) وابن أبي عاصم في السنة (١٣٦٥) والطبراني (٤٩٦٩ ، ٤٩٧٠) من طرق عن زيد بن أرقم.
وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وصححه ابن حبان.
وفي الباب عن جماعة من الصحابة تنظر أحاديثهم في مجمع الزوائد (٩ / ١٠٧) وسلسلة الأحاديث الصحيحة (٤ / ٣٣٠).
وقد خرجنا جميع أحاديث هؤلاء في تعليقنا على كتاب الكامل لابن عدي.