وقال ابن زيد : «كفلين» أجر الدنيا والآخرة (١).
وقيل : لما نزلت : (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا) افتخر مؤمنوا أهل الكتاب على أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم فنزلت هذه الآية.
فإن قيل : إنه ـ تعالى ـ لما أعطاهم كفلين ، وأعطى المؤمن كفلا واحدا كان حالهم أعظم.
فالجواب (٢) : أنه لا يبعد أن يكون النّصيب الواحد أزيد قدرا من النصيبين.
روى أبو موسى عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ثلاثة يؤتون أجرهم مرّتين : رجل كانت له جارية فأدّبها وأحسن أدبها ، ثمّ أعتقها وتزوّجها ، ورجل من أهل الكتاب آمن بكتابه ، وآمن بمحمّد صلىاللهعليهوسلم وعبد أحسن عبادة الله ونصح سيّده» (٣).
قوله : (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً).
قال مجاهد : أي : بيانا وهدى (٤).
وقال ابن عباس : هو القرآن (٥).
وقيل : ضياء يمشون به في الآخرة على الصراط ، وفي القيامة إلى الجنة ، وهو النور المذكور في قوله تعالى (يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ).
وقيل (٦) : تمشون به في الناس تدعونهم إلى الإسلام ، فتكونون رؤساء في دين الإسلام لا تزول عنكم رياسة كنتم فيها ، وذلك أنهم خافوا أن تزول رياستهم لو آمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم وإنما كان يفوتهم أخذ رشوة يسيرة من الضعفة بتحريف أحكام الله تعالى ، لا الرّياسة الحقيقية في الدين ثم قال : (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) ذنوبكم ، أي : ما أسلفتم من المعاصي ، (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
قوله تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ).
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ٦٩٤).
(٢) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ٢١٥.
(٣) أخرجه البخاري ١ / ٢٢٩ كتاب العلم ، باب : تعليم الرجل أمته (٩٧) ، وفي ٥ / ٢٠٥ كتاب العتق ، باب : فضل من أدب جاريته وعلمها (٢٥٤٤) ، وفي ٥ / ٢٠٧ باب العبد إذا أحسن عبادة ربه (٢٥٤٧) ، وفي ٥ / ٢١٠ باب كراهية التطاول على الرقيق (٢٥٥١) ، وفي ٦ / ١٦٩ كتاب الجهاد ، باب : فضل من أسلم (٣٠١١) ، وفي ٦ / ٥٥١ كتاب أحاديث الأنبياء ، باب : قول الله تعالى : يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا* (٣٤٤٦) وفي ٩ / ٢٩ كتاب النكاح ، باب : اتخاذ السراري (٥٠٨٣) ، ومسلم ١ / ١٣٤ ـ ١٣٥ كتاب الإيمان ، باب : وجوب الإيمان برسالة محمد صلىاللهعليهوسلم (٢٤١ / ١٥٤).
(٤) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٦٠) وعزاه إلى عبد بن حميد عن مجاهد.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ٦٩٦) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٦٠) وعزاه إلى عبد بن حميد.
(٦) ينظر : القرطبي ١٧ / ١٧٣.