قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) في أوامره ونواهيه ، وأداء فرائضه واجتناب معاصيه. (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ) يعني يوم القيامة ، والعرب تكني عن المستقبل بالغد.
وقيل : ذكر الغد تنبيها على أن الساعة قريبة ؛ كقوله : [الطويل]
٤٧٥٤ ـ وإنّ غدا للنّاظرين قريب (١)
وقال الحسن وقتادة : قرب الساعة حتى جعلت كغد ؛ لأن كل آت قريب ، والموت لا محالة آت (٢). ومعنى (ما قَدَّمَتْ) أي : من خير أو شرّ.
ونكر النفس لاستقلال النفس التي تنظر فيما قدمت للآخرة ، كأنه قال : فلتنظر نفس واحدة في ذلك ، ونكر الغد ، لتعظيمه وإبهام أمره ، كأنه قيل : الغد لا يعرف كنهه لعظمه (٣).
وقرأ العامة بسكون لام الأمر في قوله : «ولتنظر».
وأبو حيوة ويحيى (٤) بن الحارث بكسرها على الأصل.
والحسن (٥) : بكسرها ونصب الفعل ، جعلها لام «كي» ، ويكون المعلل مقدّرا ، أي : ولتنظر نفس حذركم وأعمالكم.
قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ) تأكيد.
وقيل : كرر لتغاير متعلق التقويين فمتعلق الأولى : أداء الفرائض لاقترانه بالعمل ، والثانية : ترك المعاصي لاقترانه بالتهديد والوعيد ، قال معناه الزمخشري (٦).
ثم قال : (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ).
قال سعيد بن جبير : (بِما تَعْمَلُونَ) أي : بما يكون منكم (٧).
قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا).
__________________
(١) قائله هو ضرار بن أجدع يخاطب النعمان بن المنذر ، ولفظ البيت :
فإن يك صدر هذا اليوم ولّى |
|
فإنّ غدا لناظره قريب |
ينظر القرطبي ١٨ / ٢٩.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٥٠) ، عن قتادة وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٩٨) ، وعزاه إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد.
(٣) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ٢٥٣.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٢٩١ ، والبحر المحيط ٨ / ٢٤٩ ، والدر المصون ٦ / ٢٩٩.
(٥) ينظر المصدر السابق.
(٦) ينظر : الكشاف ٤ / ٥٠٨ ، والدر المصون ٦ / ٢٩٩.
(٧) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٨ / ٢٩).