أي : أنه لو أنزل القرآن على الجبل لخشع لوعده ، وتصدع لوعيده ، وأنتم أيها المقهورون بإعجازه لا ترغبون في وعده ، ولا ترهبون من وعيده (١).
والغرض من هذا الكلام التنبيه على فساد قلوب هؤلاء الكفار وغلظ طباعهم (٢) ، ونظيره قوله : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) [البقرة : ٧٤].
وقيل (٣) : الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم أي : لو أنزلنا هذا القرآن يا محمد على جبل لما ثبت وتصدع من نزوله عليه ، وقد أنزلناه عليك وثبتناك له ، فيكون ذلك امتنانا عليه أن ثبته لما لم يثبت عليه الجبال.
وقيل : إنه خطاب للأمة ، وأن الله ـ تعالى ـ لو أنذر بهذا القرآن الجبال لتصدّعت من خشية الله ، والإنسان أقل قوة وأكثر ثباتا ، فهو يقوم بحقه إن أطاع ، ويقدر على ردّه إن عصى ؛ لأنه موعود بالثواب ، ومزجور بالعقاب (٤).
قوله : «خاشعا» حال ؛ لأن الرؤية بصرية.
وقرأ طلحة (٥) : «مصّدعا» بإدغام التاء في الصاد.
قوله تعالى : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ).
لما وصف القرآن بالعظم ، ومعلوم أن عظم الصفة تابع لعظم الموصوف ، أتبع ذلك بشرح عظمة الله تعالى ، فقال : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ).
قال ابن عباس رضي الله عنهما : معناه : عالم السر والعلانية (٦).
وقيل : ما كان وما يكون.
وقال سهل : عالم بالآخرة والدنيا.
وقيل : «الغيب» ما لم يعلمه العباد ولا عاينوه ، و «الشّهادة» ما علموا وشاهدوا.
وقوله : (الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ). تقدم مثله.
قوله تعالى : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ).
قرأ أبو دينار وأبو السمال (٧) : «القدّوس» بفتح القاف.
__________________
(١) ينظر السابق.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ٢٥٤.
(٣) ينظر : القرطبي ١٨ / ٣٠.
(٤) السابق.
(٥) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٢٩١ ، والبحر المحيط ، ٨ / ٢٤٩ ، والدر المصون ٦ / ٢٩٩.
(٦) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٨ / ٣٠) ، عن ابن عباس وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٠٠) ، وعزاه إلى ابن أبي حاتم.
(٧) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٢٩٢ ، والبحر المحيط ٨ / ٢٤٩ ، والدر المصون ٦ / ٣٠٠ ، والقرطبي ١٨ / ٣١.