قوله : (وَما تُوعَدُونَ) قال عطاء : من الثّواب والعقاب ، وقال مجاهد : من الخير والشّرّ. وقال الضحاك : وما توعدون من الجنّة والنار (١) فيكون المعنى على هذا : وما توعدون لحقّ ، كقوله : (إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ) فإن قلنا : المراد بقوله : (وَما تُوعَدُونَ) الجنة فهو من الوعد ، وإن قيل : المراد العذاب فيكون الخطاب مع الكفار.
قوله : (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ) الضمير إما للقرآن ، وإما «للدين» ، وإما اليوم» في قوله : (وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ) و (يَوْمَ هُمْ) و (يَوْمُ الدِّينِ) ، وإما للنبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ودخلت الفاء بمعنى إنّ ما توعدون لحق بالبرهان المبين ثم بالقسم واليمين أو للعطف على قوله : (وَالذَّارِياتِ) مع إعادة المقسم عليه لوقوع الفصل (٢).
وأقسم أولا بالمخلوقات وههنا بربها ترقّيا من الأدنى إلى الأعلى (٣).
قوله : (مِثْلَ ما) قرأ الأخوان وأبو بكر مثل (٤) بالرفع ، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه خبر ثان مستقلّ كالأول.
الثاني : أنه مع ما قبله خبر واحد ، كقولك : هذا حلو حامض نقلهما أبو البقاء (٥).
والثالث : أنه نعت (لَحَقٌ)(٦) و (ما) مزيدة على الأوجه الثلاثة و (أَنَّكُمْ) مضاف إليه ، أي لحقّ مثل نطقكم ، ولا يضر تقدير إضافتها لمعرفة ، لأنها لا تتعرف بذلك لإبهامها (٧).
والباقون بالنصب ، وفيه أوجه :
أشهرها : أنه نعت (لَحَقٌّ) أيضا كما في القراءة الأولى ، وإنما بني الاسم لإضافته إلى غير متمكن (٨) ، كما بناه الآخر في قوله :
__________________
(١) ذكر هذه الأقوال البغوي في معالم التنزيل ٦ / ٢٤٤ والقرطبي ١٧ / ٤١.
(٢) بالمعنى هذا كله من تفسير الأستاذ الإمام فخر الدين الرازي ٢٨ / ٢٠٩ و ٢٠٨.
(٣) المرجع السابق.
(٤) قراءة سبعية متواترة ، ذكرها صاحب الكشف ٢ / ٢٨٧ ، وصاحب السبعة ٦٠٩ ، وابن خالويه في الحجة ٣٣٢ وانظر الإتحاف ٣٩٩ ، والتّبيان ١١٨٠ ، والكشاف ٤ / ١٧ ، والبحر ٨ / ١٣٦.
(٥) التبيان ١١٨٠.
(٦) السابق والبحر ٨ / ١٣٦ والمشكل ٢ / ٣٢٤ والكشاف ٤ / ١٧.
(٧) إذ الإضافة غير محضة ، ولأن الأشياء التي يقع التماثل بها بين المتماثلين كثيرة ، فلم يتعرف بإضافته إلى «أنكم» لذلك ، فلمّا لم يتعرف حسن وصف «لحقّ» به ، كما تقول : «مررت برجل مثلك» وانظر : المشكل السابق والكشف ٢ / ٢٨٧ ، ومعاني الفراء ٣ / ٨٥ والبيان ٢ / ٣٩١ والتبيان ١١٨٠ والقرطبي ١٧ / ٤٣.
(٨) قاله مكي في الكشف ٢ / ٢٨٧ و ٢٨٨ والزمخشري في الكشاف ٤ / ١٧ وأبو حيان في البحر ٨ / ١٣٦ ومكي أيضا في المشكل ٢ / ٣٢٣ وأبو البقاء في التبيان ١١٨٠.