قوله تعالى : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) هذا تسلية للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وتيسير له بالفرج ، وسمّاهم ضيفا ، لأنه حسبهم كذلك ، ويقع على الواحد والجمع ، لأنه مصدر وسمّاهم مكرمين أي عند الله أو لأن إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ أكرمهم بأن عجّل قراهم ، وأجلسهم في أكرم المواضع واختار إبراهيم لكونه شيخ المرسلين ، وكون النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ مأمورا بأن يتبع ملته ، كما قال تعالى : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [النحل : ١٢٣]. وقيل : سماهم مكرمين لأنهم كانوا ضيف إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ (وكان (١) إبراهيم أكرم الخليقة ، وضيف الكرام مكرمون. وقال ابن أبي نجيح ـ عن مجاهد ـ : لأن إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ خدمهم بنفسه) وعن ابن عباس : سماهم مكرمين لأنهم جاءوا غير مدعوّين ، وقال عليه الصلاة والسلام : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه (٢).
فإن قيل : إذا كان المراد من الآية التسلية والإنذار ، فأي فائدة في حكاية الضيافة؟
فالجواب : ليكون ذلك إشارة إلى أنّ الفرج في حق الأنبياء ، والبلاء على الجهلة يأتي من حيث لم يحتسبوا ، كقوله تعالى : (فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) [الزمر : ٢٥] ، فلم يكن عند إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ خبر من إنزال العذاب مع ارتفاع منزلته وقد تقدم عددهم في سورة هود (٣).
قوله تعالى : (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ) العامل في (إِذْ) أوجه :
أحدها : أنه (حَدِيثُ) أي هل أتاك حديثهم الواقع في وقت دخولهم عليه.
الثاني : أنه منصوب بما في (ضَيْفِ) من معنى الفعل ، لأنه في الأصل مصدر ، ولذلك استوى فيه الواحد المذكور (٤) وغيره ، كأنه قيل : الّذين أضافهم في وقت دخولهم عليه.
الثالث : أنه منصوب بالمكرمين إن أريد بإكرامهم أنّ إبراهيم أكرمهم بخدمته لهم كأنه تعالى يقول : أكرموا إذ دخلوا.
الرابع : أنه منصوب بإضمار «اذكر» ولا يجوز نصبه ب (أَتاكَ) لاختلاف الزّمانين(٥).
__________________
(١) ما بين القوسين ساقط من أوموجود في ب.
(٢) وانظر : البغوي والخازن السابقين والقرطبي ١٧ / ٤٤ و ٤٥.
(٣) من الآية ٦٩ منها. قيل : جاءه جبريل ومعه ملكان وهو مرويّ عن ابن عباس. وقيل : جبريل وميكائيل وإسرافيل. وقيل : كانوا تسعة ، وعن السدي : أحد عشر. وانظر اللباب ٤ / ٥٧ ب والكشاف ٢ / ٢٨٠.
(٤) في ب المذكر.
(٥) زمان الأتي والدخول. وانظر : البحر ٨ / ١٣٨ والكشاف ٤ / ١٧ والتبيان ١١٨١.