وقرأ العامة المكرمين ـ بتخفيف الراء ـ من أكرم ، وعكرمة : بالتشديد (١).
فإن قيل : أرسلوا بالعذاب بدليل قولهم : (إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) [الذاريات : ٣٢] فما الحكمة في مجيئهم إلى إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ؟
فالجواب من وجهين :
الأول : أن إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ شيخ المرسلين ، ولوط من قومه ، ومن عادة الملك إذا أرسل رسولا لملك وفي طريقه من هو أكبر منه يقول له : اعبر على فلان الملك ، وأخبره برسالتك وخذ فيها رأيه.
الثاني : أن إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان شديد الشفقة حليما فكان يشق عليه إهلاك أمة عظيمة وكان ذلك مما يحزن إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ شفقة منه على العباد فقال (لهم) (٢) بشّروه بغلام يخرج من صلبه أضعاف من (٣) يهلك ، ويكون من صلبه خروج الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ (٤).
قوله : (فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) العامة على نصب (سَلاماً) الأول ، ورفع الثاني.
فأما نصب الأول فالمشهور أن السلام التحية أي نسلّم سلاما (٥). ويحتمل أن (سَلاماً) معناه حسنا أي قالوا كلاما حسنا ؛ لأنه كلام سلم به المتكلم من أن يلغو أو يأثم فكأنهم قالوا قولا حسنا سلموا به من الإثم فيكون مفعولا به لأنه في معنى القول (٦) ، كما قيل في قوله تعالى : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) [الفرقان : ٦٣] ، أو هو مفعول بفعل محذوف ، أي نبلّغك سلاما (٧).
ولم يقولوا من الله شفقة على قلب إبراهيم فأتوا به مجملا ، ثم فسروه بعد ذلك.
وأما رفع الثاني فالمشهور أنه التحية ، فهو مبتدأ ، وخبره محذوف أي عليكم ، ويحتمل أنه السلامة ، أي أمري سلام لأني لا أعرفكم ، أو قولكم سلام (٨) ، أي ينبىء عن السلامة وأنتم قوم منكرون فما خطبكم؟
__________________
(١) البحر المرجع السابق وهي شاذة.
(٢) سقط من ب.
(٣) في الرازي : ما.
(٤) وانظر : تفسير الرازي ٢٨ / ٢١٠ و ٢١١.
(٥) قال بذلك مكي في المشكل ٢ / ٣٢٤ والرازي ٢٨ / ٢١١ والزمخشري في الكشاف ٤ / ١٧ والزجاج في المعاني ٥ / ٥٥ والقرطبي ١٧ / ٣٤ والتبيان ٧٠٥.
(٦) وهو قول الإمام الرازي في تفسيره السابق وهو قول مكي أيضا في المشكل حيث قال : «أو بوقوع القول عليه» وانظر المشكل السابق أيضا.
(٧) قاله الرازي أيضا وهو نفس رأي ابن عطية فيما نقله عنه أبو حيان في البحر ٨ / ١١٩ لكنه جعل سلاما بمعنى قولا ويكون المعنى أنهم قالوا تحية وقولا معناه سلاما. وانظر البحر السابق.
(٨) المشكل والرازي السابقين والقرطبي ١٧ / ٤٥.