وعلى الأظهر الأشهر فيهما ، بل كاد أن يكون إجماعاً ؛ لأنّها حين الإبراء كانت مالكة لجميع المهر ملكاً تامّاً ، وما يرجع إليه بالطلاق ملك جديد ، ولهذا كان نماؤه لها ، فإذا طلّقها رجع عليها بنصفه ، كما لو صادفها قد أتلفته ، فإنّ تصرّفها فيه بالإبراء بمنزلة الإتلاف ، فيرجع بنصفه.
خلافاً للمبسوط والجواهر والقواعد ، فاحتملوا العدم (١) في صورة الإبراء ؛ لأنّها لم تأخذ منه مالاً ؛ ولا نقلت إليه الصداق ، لأنّ الإبراء إسقاطٌ لا تمليك ؛ ولا أتلفت عليه ، كما لو رجع الشاهدان بدين شهدا عليه في ذمّة زيد لعمرو بعد حكم الحاكم عليه وقبل الاستيفاء ، وكان قد أبرأ المشهود عليه ، فإنّه لا يرجع على الشاهدين بشيء. ولو كان الإبراء إتلافاً على من في ذمّته لغرما له (٢).
ورُدّ بوضوح الفرق ، فإنّ حقّ المهر ثابت حال الإبراء في ذمّة الزوج ظاهراً وباطناً ، فإسقاط الحقّ بعد ثبوته متحقّق ، بخلاف مسألة الشاهد ، فإنّ الحقّ لم يكن ثابتاً كذلك ، فلم يصادف البراءة حقّا يسقط بالإبراء (٣).
وفيه مع ذلك ـ : أنّه اجتهاد في مقابلة النصّ المعتبر.
ففي الموثّق : عن رجل تزوّج جارية أو تمتّع بها ، ثم جعلته من صداقها في حلّ ، أيجوز له أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئاً؟ قال : « نعم ، إذا جعلته في حلّ فقد قبضته منه ، وإن خلاّها قبل أن يدخل بها ردّت المرأة على الزوج نصف الصداق » (٤).
__________________
(١) أي عدم الرجوع. منه رحمهالله.
(٢) استظهره من المبسوط والجواهر في كشف اللثام ٢ : ٩١ ؛ وهو في المبسوط ٤ : ٣٠٨ ، وجواهر الفقه : ١٧٧ ، والقواعد ٢ : ٤٣.
(٣) المسالك ١ : ٥٤٨.
(٤) التهذيب ٧ : ٣٧٤ / ١٥١٣ ، الوسائل ٢١ : ٣٠١ أبواب المهور ب ٤١ ح ٢.