الإنسان في تكون هذا الماء في السّحاب وفي حمل السّحاب الماء مع أنه جسم ثقيل والهواء جسم خفيف ، وكيف ينزل الماء من السّحاب مرّة بشدّة وأخرى بلين وخفّة بحيث لا يدرك إلّا بالنظر الحادّ ، ومن أين جاء هذا السّحاب وما هي حقيقته ، وكيف وجد الماء في السّحاب ، ومن الموجد للماء فيه فهل يتصور هذا إلّا بقدرة قادر حكيم كان وراء عالم الطبع والطّبيعة؟ ... فسبحان من هو الإله الواحد الأحد الذي لم يكن له كفوا أحد (ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً) أي ييبس لأنه بعد خضرته ونضارته وإثماره وانتهاء كمال رشده بنضج ثمره جاز أن ينفصل عن منابته ، وإن لم تتفرّق اجزاؤه فحينئذ يصير مصفرّا وأجزاؤه وإن لم تتفرق كأنّها تتهيّأ لأن تتفرّق ، ثم يصير حطاما أي مكسّرا فتاتا (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى) أي لتذكير بآياته لأنّ من شاهد هذه الأحوال في النباتات علم أنّ أحوال الإنسان وسائر الحيوانات كذلك ، وأنّه وإن طال عمره فلا بدّ له من الانتهاء إلى أن يصير منحطم الأجزاء ، ومشاهدة تلك الأحوال لا بد أن تجرّ تأثرا وتحسّرا شديدا فتوجب النّفرة من الدنيا الفانية والرغبة بالدار الآخرة الباقية ، فهذا بلا شكّ من نعم الله سبحانه على عباده وأكثرهم غافلون كأنّهم لا يرون ولا يتذكّرون لأنه لا يتذكر (لِأُولِي الْأَلْبابِ) ولا تكون تلك الآيات ذكرى إلّا لأرباب العقول الصّحيحة السّليمة.
* * *
(أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٢) اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ