كاف لعباده ولا يحتاج العباد إلى غيره تعالى. فالاستفهام إنكاريّ والنتيجة هو الإثبات لأن نفي إثبات وإن شئت قلت إنّ الاستفهام تقريريّ. ويمكن أن يراد من العبد خصوص الرّسول صلىاللهعليهوآله ، ويمكن أن يراد الجنس كما هو الظاهر (وَيُخَوِّفُونَكَ) أي عبدة الأصنام يهدّدونك (بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) بآلهتهم ، والتعبير (بِالَّذِينَ) مع أنّه لذوي العقول يحتمل أن يكون باعتبار الغلبة لأن بعض معبوديهم من ذوق العقول كعيسى وعزيز والملائكة ، فبلحاظ هؤلاء لشرافتهم عبّر بالذي هو مستعمل في ذوي العقول وإمّا لأن «الذين» استعماله غالبا في ذوي العقول لا أنّه منحصر فيها ، والحاصل أن تخويف أهل مكة للرّسول بالأصنام كاشف عن غاية غوايتهم ونهاية جهالتهم وضلالتهم (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) أي من يخلّيه الله وضلاله فلا يقدر أحد أن يهديه إلى سبيل الرّشاد ، بيان ذلك أن الله تعالى لما خلق الخلق بمقتضى حكمته وكلّفهم بتكاليف فيها صلاح لهم على ما اقتضت الحكمة والمصلحة للنفس الأمريّة أي الواقعية فأرسل رسلا مبشّرين ومنذرين لهدايتهم وإراءتهم طريق الغيّ والرشد لطفا منه على عباده حيث إن العباد ليست لهم الأهلية لأن يتفاهموا ويتشافهوا معه تعالى بلا واسطة ، ولبيان هذا الأمر مقام آخر في الكتب الكلامية ولسنا في مقام تفصيله في كتابنا هذا. والحاصل أن الرّسل وسفراء الله صلوات الله عليهم ما قصّروا في إبلاغ رسالاتهم وما أمرهم الله بإبلاغه إلى الناس ، والله تعالى ما اضطرّهم ولا أجبرهم على قبول أوامره ونواهيه بل جعلهم مختارين في القبول والردّ أيضا للحكمة ، ثم أتمّ الحجّة عليهم بواسطة الرّسل ، فإذا اختاروا سبيل الغيّ والضلال بسوء اختيارهم حسدا وجحودا بحيث قال بعضهم : (اللهمّ إن كان هذا فأرسل علينا حجارة من السّماء أو أمتنا بعذاب أليم) من عندك فهو سبحانه استجاب دعاءه وجعله عبرة للآخرين ، ومع ذلك ما رجعوا عمّا كانوا عليه من الكفر والجحود والشرك فلم يظلمهم سبحانه إذ يعذّبهم. ومعنى إسناد