والخرافات (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) لفظ جميعا منصوب على الحال ، والقبضة في اللغة ما قبضت عليه بجميع كفّك. وقد أخبر سبحانه عن كمال قدرته وسطوته فذكر أن الأرض كلّها مع عظمها في مقدوره كالشيء الصغير الذي يقبض عليه القابض بكفّه ويطويه بيمينه فيكون في قبضته كالكرة الصغيرة وهذا تفهيم لنا على عادة التخاطب فيما بيننا لأننا نقول هذا في قبضة فلان أو في يده إذا هان عليه التصرف فيه وإن لم يقبض عليه وكذا قوله (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) أي يطويها بقدرته كما يطوي الواحد منّا الشيء المقدور له طيّه بيمينه. وذكر اليمين للمبالغة في الاقتدار ، واليمين كناية عن القوّة ها هنا ، ولأن أكثر الأشياء تصدر عن اليمين وهي اليد الفعّالة من اليدين فلذا يجاء بها للمبالغة في الاقتدار ويكنّى بها عن القوّة؟
وعبّر سبحانه في مقام إظهاره عن كمال قدرته في ناحية الأرض بأن الأرض جميعا في قبضته ، كما أن السّماوات مطويّات بيمينه ، ووجه الاختلاف في التعبير هو تعالى أعلم به وبما قال ويمكن أن يكون لكشف سرّ من أسرار الخلقة وصنعها وهو كرويّة الأرض وانبساط السّماء بيان ذلك أن الإحاطة في الأمور المكوّرة أشدّ منها في صورة المربّعات وغيرها ، فالإحاطة بتلك النسبة أعظم وأشد بخلاف ما إذا كان الشيء منبسطا فإن الاحاطة به أصعب. هكذا نرى في أمورنا الظاهريّة عرفا وعقلا ، والقرآن نزل على المتفاهمات العرفيّة والعاديّة ، فتغيير أسلوب اللفظ ليس في القرآن بلا جهة ولا نقتصر في الجهة على التفنّن في اللفظ فإنه ليس من شأن الربّ تعالى ولا من شؤون كتابه الكريم ، بل الجهة لا بدّ من كونها سرّا من أسراره ورمزا مهمّا من رموزه. والحاصل أن الإتيان بلفظ الجمع كما قلناه ، واتصاف السّماء بالطيّ يدلّنا على ما قلناه من كرويّة الأرض بجميع طبقاتها السّبع وانبساط السّماء بجميع طبقاتها. والمراد بالأرض ها هنا هو الأرضون