استماع ذكرها ووصفها ، وهذا أمر وجدانيّ لا يحتاج إلى إقامة برهان عليه. ولمّا كان المقصد الأصليّ في هذا المقام وعيد الكفار والمشركين فلذا أخّر وعد المؤمنين وقدّم وعيدهم ، هكذا قيل ولكن أقول في وجه التأخير والله تعالى أعلم : اظنّ أن يكون الوجه من باب تعريف الأشياء بأضدادها فإن قدر الشيء من جميع جهاته يعرف إذا ابتلى الإنسان بضدّه. فمثلا قدر الصّحة ولذتها بتمام اللذة وكمالها يكون بعد ما ابتلي الإنسان بالمرض ، فالصّحة التي حصلت بعد مرضه ألذّ بمراتب من التي تكون غير مسبوقة بالمرض ، واستشمام الرائحة الطيبة وإن كان لذيذا لكنه بعد استشمام الرائحة الكريهة ألذّ ، وكذلك باب رؤية الأشياء الحسنة لرؤية حسن جميل بعد رؤية شخص كريه المنظر ألذ منها قبل ابتلاء الإنسان بمشاهدة هذا الكريه ، وكذلك استماع أمور يتلذّذ ويسرّ الإنسان بها تكون ألذ إذا استمع أوّلا ضدّها! فإذا ذكر أحوال أهل الجحيم وأهوال الجحيم نفسها وكيفيات عذاب المعذّبين ثم بعد ذلك ذكر الجنة ونعيمها وتنعّم أهلها بها كان ذلك أوقع في النفس وأشوق للإنسان إلى الجنة ، وهذا أمر وجداني لا برهاني ، ولذا يحتمل أن يكون وجه تأخير الوعد من الوعيد هذا والله تعالى أعلم.
* * *
(وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (٧٣) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ